حقيقة.!

ليست العربة في كثرة القراءة، بل في القراءة المجدية.

التراث في جيرود.pdf

للمؤلف: محمود محفوظ سَمّور
من التقاليد المنهجية المحمودة أن يبدأ الباحث بتحديد منطلقاته، وتعريف مصطلحاته التي يستند إليها. ولمعرفة التراث أي تراث، هنالك منهجان: منهج (علمي) ومنهج (ميتا فيزيقي) مثالي سلفي. أولاً- فالأول يحمل صفة (المادي التاريخي) وهو ينظر إلى التراث بشتى أشكاله بأنه ليس إنجازاً فردياً من جهة، وليس بمعزل عن علاقته بالواقع الاجتماعي التاريخي وعن دور القوى البشرية في إنتاج الأساس المادي لمنجزات التراث من جهة أخرى. ولكونه (تاريخي) يجب رؤية التراث في حركيتهِ التاريخية واستيعاب قِيَمهِ النسبية، وتحديد ما لا يزال يحتفظ منها بضرورة بقائه وحضوره في عصرنا كشاهد على أصالة العلاقة الموضوعية بين العناصر الإيجابية والتقدمية في المرحلتين الماضي والحاضر. وهذه الصفة العلمية لهذا المنهج ما تجعلهُ من وجهة نظرنا، هو مفتاح الحقيقة. أمَّا المنهج الثاني فإنه ينظر إلى التراث نظرة إصرار على رؤية الحاضر خلال الماضي أي نقل الأفكار والعادات والمعايير ذات الأبعاد الاجتماعية الماضوية، التي تجاوزها التطور التاريخي، ليحلَّها محلّ الأبعاد الجديدة المتصلة بمنجزات تطور الحاضر. وعندما ينظر السلفيون بمنهجهم هذا، إلى التراث ينظرون إليه بكونه جامداً ثابتاً وهذا ما ينفي (تاريخية) الفكر وحركيته وتحكم عليه بالتالي، بالوقف والسكون. ثانياً- ينبغي الانتباه حين الكتابة في تاريخ التراث أم في تفسيره أم في معرفته، إلى أنه يرتسم لدى كلٍّ منَّا بشكل مختلف، أي تتحكم بأحدنا عناصر ذاتية مزاجية خاصة أو يكون الموقف يقوم من منطلقات اجتماعية إيديولوجية لا فردية، وموضوعية لا ذاتية، وهنا يصعب التماثل والتشابه في قراءاتنا للتراث. والصحيح أن مشكلات الأقدمين تختلف عن مشكلاتنا في الحاضر بقدر اختلاف ظروفهم التاريخية عن ظروفنا المعاصرة. وبالتالي، فإن المعايير التي كانوا يحتكمون إليها نابعة من مشكلاتهم وظروفهم تلك، وهي غير متماثلة مع مشكلاتنا وظروفنا. ولكن، لكي تكون دراستنا للتراث علمية علينا أن ننظر إلى عادات ومعايير الأقدمين جسداً حياً بلحمه ودمِه. أي ينبغي وضع صورة التراث في إطارها التاريخي. ثالثاً- علينا أن ننظر إلى التراث أي إلى عادات وأفكار وقيَم الأقدمين نظرة نقدية. حيث ينبغي أن ننظر إلى التراث بمستوى معرفتنا الرفيع المتجددة من انجازات العلوم والفلسفة والتاريخ والمجتمع. رابعاً- علينا أن لا نتجاهل العلاقات الخارجية المتبادلة للتراث مع تراث البلدان المجاورة أو البعيدة. والتراث الشعبي، لا شك في أنه نتاج التراكم الثقافي والفكري المستمر، تعود جذوره إلى خبرات طويلة للشعوب منذ ما قبل التاريخ وحتى وقتنا الحاضر جسدَ فيه الإنسان معاناته وأفراحه. كما ولاشك، أنّ للتراث في ريفنا تأثيراً ظاهراً جليّاً، أو خفياً مستبطناً، يُحرك دوافع السلوك الجمعي والفردي، ويتحكّم في أسلوب تفكيرنا سلباً أم إيجاباً. وهو لذلك جدير بان يكون موضع اهتمامنا، وأن يُدرَس بتأنٍّ وموضوعية، لِما في ذلك من مساهمة مهمة في فهم شخصيتنا فهماً واعياً، والإطلال على أرضية سلوكنا الجمعي التي ربما تبدو للوهلة الأولى بسيطةً، غَفْلاً، مع أنها أشبهُ بالتلال الأثرية تُخفي تحت قشرتها طبقاتٍ من التاريخ والحضارة، تستند كل واحدة على سابقتها وتعضد لاحقتها وتُوْدِعُها ما تناهى إليها من عَبَق الذكريات المُعَتَّقة، ورعش الوجدان، ونُسُغ الحياة المحمّل بعصارة الفكر، والفن، والذائقة، راحلةً في الزمن ارتحال النّسُغ من أقاصي الجذور إلى أعالي الفروع لنستقبلها بعد ذلك صورةً طافحةً بالبِشْر والفَرح والسرور، تحمل في إهابها طينة تكويننا، معجونة من ترابنا ومائنا وغبار وَقائعنا، ودمائنا، وأشلائنا، تعبق بأنفاس جغرافيتنا، وطيب نفحاتها، وجنون عواصفها، وهوج زوابعها وقد يرين عليها سكون مخيف، يطول حتى يقنعك بأنه خاتمة الحركة، ولحد الحياة، فتندلق حالة من اليأس الثقيل تشيع الأسى حولها، ثم تفاجئك تلك الصورة، تتفجر أقحواناً وشقائق نعمان وأعراساً واحتفالات غار.. فمثلاً، إن نظرة مُدقِّقة بمراسم وطقوس العرس لدينا، نجد خلالها أنها لم تأتِ عبثاً، بلْ جاءت لتجسّد معتقداتٍ موروثةً عن أجدادنا الأقدمين، أَوْدَعوها لنا بِخَيْرِها وشرِّها تقاليداً تتمايز بالبذل والعطاء والحركة، وزخمٍ في فنون الغناء، والرقص، والدبكة، والاستعراض. مما يشير إلى أن أهمية العرس الشعبي لا تقتصر على العروسين ومن له علاقة بهما من أقرباء ، وأصدقاء، وجيران وغيرهم.. ويبرز هذا العمق الاجتماعي ، بما يقدمه الناس من هِبات ومساعدات متنوعة للعروسين وهنا نلاحظ بوضوح تداخل الاجتماعي بالاقتصادي. وختاماً، يجدر بنا أن ننظر إلى التراث بعين النقد الواعي، لأن ليس كل ما ورثناه من الأمس هو صحيح بالضرورة اليوم، وهكذا فعلُ التطور دائماً. ونؤكد على أهمية الفلكلور الشعبي كعامل يجعلنا نستكشف ذاتنا، خصائصنا وهويتنا، وبالتالي، وجوب الحفاظ عليه بالكلية. المؤلف

التراث في جيرود.pdf

تفاصيل كتاب التراث في جيرود.pdf

للمؤلف: محمود محفوظ سَمّور
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 0
مرات الارسال: 26

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T
عرض جميع الكتب للمؤلف: محمود محفوظ سَمّور

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: