حقيقة.!

إن القرآن كتاب من ينجح فيه يُمنح ملكا لا حدود له.

الإنسـان والأدب فـي رسائل إخـوان الصفا.pdf

للمؤلف: منال إسماعيل عجوب
يعد موضوع الإنسانمنأهم الموضوعات الحيَّة والجديرة بالعناية والاهتمام، وما زالت الدراسات التي تتمحور حوله مثار جدل واهتمام، وقد اختلفت نتائج هذه الدراسات تبعاً لاختلاف المفهومات المعرفية للمفكرين والباحثين وتبعاً لمنشئهم الحضاري. فالإنسان هو صاحب كل عملية إبداعيَّة ومعرفية، وهو سرُّ الحياة ولغزها الذي لم يُكشف عنه كشفاً تامَّاً بعد. إذْ انطلق الإنسان منذ أن وجد على سطح الأرض يسعى جاهداً لحل هذا اللغز، والكشف عن أسراره، محاولاً سبر أغوار الذات والتعمق في أحوالها، ولكن لم يزدهُ ذلك إلا حيرةً وغموضاً. إذ تكْمُن معرفة حقيقة الذات في معرفة حقيقة الوجود والخالق المبدع. لذلك فالسَّيرُ في هذا الطريق يحتاج إلى جهد وتفكير وتعمق وإلى معرفة الغاية التي وجد الإنسان من أجلها على الأرض، فيسعى لكشف حقيقة ذاته ووجوده في إطار هذه الغاية. إن الأزمة الحضارية التي يعيشها الإنسان العربي المعاصر، تقوم في جوهرها على عدم معرفته بمعنى وجوده، وحقيقة ذاته، وشعوره بالضَّياع والغربة بسبب الانفصام عن روح حضارته، وذلك لابتعاده عن استيعاب مفهوم هذه الحضارة، ولانهماكه في الأمور المادية والشعور بالضَّعف أمام تقدم الغرب التقني والعلمي والفكري. ولعلَّ وجود هذه الأزمة يعدُّ الهاجسَ الأكبر الذي يشغل بال كل مثقَّف عربيِّ جاد حُرٍّ يسعى للرقي بذاته وبالتالي بمجتمعه وأمته نحو مصاف الأمم المتقدمة. وتنعكس هذه الأزمة التي نتحدث عنها، في مختلف مجالات الإنتاج الإنساني الفكري والثقافي والفني وتتجلى في غياب الإبداع. فالأدب والفن والفلسفة مفهوماتٌ معرفية إنسانية مهمة، تشتمل على أعمق المعاني الإنسانية، وتشكل خلاصة الإبداع الإنساني في كل مجتمع، فهي تعكس واقع المجتمع وتعبر عن روحه، وتحاول أن تسموَ به لأن موضوعها وجوهرها الأساسي هو الإنسان. وفي عصرنا، نرى أنَّ أغلب ما يُكتب أو ينتج لا يحقق الغاية المرجوَّة منه، نتيجة وجود تلك الهوة التي تفصل بين روح حضارتنا وتراثنا وبين ما يُنتج، وهذا ناتجٌ عن فقدان هويتنا الحقيقية نتيجة عدم وعي أغلب المثقفين العرب بالأبعاد الثقافية والفكرية لتلك الثقافات التي يستحضرونها، بل يتبنونها، والتي تصل إلينا بشكل مشوَّهٍ لأنها مقتضبة، ولأنَّ تلك الثقافات والنظريات وليدة مجتمعاتها ونتاج الحضارات والظروف التي نشأت فيها. ولعلَّ أزمة الأدب العربي المعاصر، تعدُّ من أهم القضايا والمسائل الجديرة بالعناية والاهتمام والسعي من أجل حلِّها للارتقاء بمفهومه وقضاياه الفكرية والإنسانية. وذلك من خلال إعادة ربطه بأصوله الثقافية والتاريخية، ومحاولة تحديد سماته وخصائصه المنسجة مع تلك الأصول، ولا تتنافى مع واقعه المعاصر، فيكون الأدب نتاج الحضارة التي نشأ فيها، فيعبر عن روحها ويحاول أن يرقى بها من خلال تطوره ورقيِّه باعتباره مؤسَّسة معرفية، ويتم الارتقاء بمستوى هذا الأدب عندما نتمكن من تطوير وسائله الفنية، لنستطيع منْ خلالها إيصال الجوانب المعرفية والفكرية للقارئ العربي على أتم وجه من خلال التلازم بين شكله ومضمونه، فيحقق الأدب بذلك وظيفته ذات العلاقة الوثيقة بالمعرفةوالإنسان العارف صاحب كل فعل إبداعي معرفي في المجتمع. فقد أدَّى الانبهار والإعجاب بثقافة الغرب إلى الاتجاه نحو استيراد أنواع أدبية جديدة غريبة عن مفهوم الأدب العربي القديم. فكان من نتائج ذلك تبني المثقفين والأدباء العرب مفهوماً جديداً للأدب العربي أقرب إلى مفهوم الأدب الأوربي وأبعد ما يكون عن مفهوم الأدب العربي القديم. إنَّ تحديد مفهوم الأدب وتوضيح غايته يعتمد بشكلٍ أساسيٍ على تحديد مفهوم الإنسان، وبالتالي مفهوم نظرية المعرفة التي تفسِّر كلَّ النتاج الإنساني في حضارة من الحضارات. فالمعرفة هي صلة الوصل بين الإنسان والأدب، وبالتالي فإنَّ الجهلَ بمفهومي الإنسان والمعرفة في الحضارة العربية الإسلاميَّة يؤدي إلى صياغة مفهوم خاطئ للأدب. ومن هنا تنشأ الأزمة بين الكاتب والقارئ، لأنَّ الإنسان هو ابن الحضارة التي ينشأ فيها، ويكتسب العلم والثقافة في أطرها، فتتراكم هذه المعرفة لديه، وتتبلور ليصوغ منها فكراً يسمُ هذه الحضارة بسمات خاصَّة، تميزها عن باقي الحضارات، بل يرقى بها لتكون مصدراً ومنهلاً ينهل منه الآخرون. ولا نقصد بكلامنا هذا أن نتعصَّب أو أنْ لا نقبل أفكار الآخرين وثقافاتهم وإبداعاتهم، بل إنَّ في تنوِّع الثقافات قوَّة، غير أن هذه القوة لا تتولَّد إلا عندما نكون في موقع القوة، أي عندما نتسلَّح بالوعي والإرادة، ومن ثمَّ ننطلق من ذواتنا محاولين استيعاب أفكار الآخرين وإبداعاتهم. ويتم ذلك باستيعاب المفهومات الفلسفية الأساسية التي تميز حضارتنا والتي صاغ أجدادنا من خلالها إنتاجهم الفكري الإنساني. ومن هنا تأتي أهمية العودة إلى تراثنا الحي المكتوب، وبخاصة ذلك التراث الفكري الأدبي الفلسفي، الذي شهِدَ ذروة تطوره وعظمته في القرنين الثالث والرابع الهجريين، اللذين يمثلان مرحلة ازدهار الفكر العربي الإسلامي، ومرحلة بروز أعلام الفلسفة والأدب الذين قدموا للعالم الإنساني فكراً وثقافةً ندر وجود مثلهما في تاريخ الإنسانية. وقد وقع اختيارنا على رسائل إخوان الصَّفا التي تعدُّ جزءاً مهمَّاً من موروثنا الأدبي والفكري، إذ قدَّم إخوان الصَّفا أول موسوعة علمية وأدبيَّة وفلسفية في تاريخ الفكر العربي الإسلامي والعالمي. فكانت بمثابة مرآة انعكست فيها الحياة الثقافية والاجتماعية والعلمية انعكاساً مباشراً. ففي الرسائل الكثير من المجالات والمفهومات الجديرة بالعناية والبحث مثل: الله، والعالم، والوجود، والإنسان، والمعرفة، والسياسة والأدب،... ولعلَّ مفهوم الإنسان ومعرفة ماهيته وعلاقته باللغة والأدب أهم ما يمكن دراسته في تلك الرسائل. لأن موضوع الإنسان هو أهمُّ الموضوعات التي شغلت بال المفكرين واهتمامهم في جميع العصور، ولا بد لنا من دراسته ليكون مدخلاً لدراسة مفهومي المعرفة والأدب ومعرفة وظيفتهما. فالإنسان هو المحور الذي تدور حوله الرسائل، وهو لن يكون إنساناً يستحقُّ لقب الإنسانية إلا عندما يغذي نفسه بالعلوم والمعارف ليكون جديراً بالفعل الذي خصَّه الله تعالى به وميزه من خلاله من باقي الكائنات، فخلقه في أحسن تقويم، وصوَّره في أكمل صورة، وجعل صورته مرآة لنفسه ليتراءى فيها صورة العالم الكبير، فعليه أن يسعى جاهداً إلى معرفة نفسه وجوهره ليصل إلى معرفة المبدع الأوَّل. وقد حاولنا في دراستنا أن نكشف عن مفهوم الإنسان وماهيته، فوضحنا موقعه في فكر إخوان الصَّفا، وكشفنا عن الجوانب والصور السَّاطعة التي رسموها له، وبينَّا علاقته بالمعرفة، وعلاقة المعرفة بالأدب وصولاً إلى عرض القضايا الأدبية في الرَّسائل. وننوِّه إلى أنَّ رسائل إخوان الصفا بأجزائها الأربعة هي المصدر الأساسي الذي اعتمدنا عليه، بالإضافة إلى الرسالة الجامعة التي تعدُّ خلاصة الرسائل جميعها. أمَّا المنهج المتَّبع في هذا البحث فهو المنهج الثقافي الاجتماعي النقدي، وسعينا من خلال هذا المنهج أن نحقق الغايات المرجوة من هذه الدراسة، فعُدنا إلى النصوص وقرأناها بتمعن، ولم نقف أمامها موقف المتفرَّج فحسب، بل حاولنا تحليلها تحليلاً موضوعياً منطقيَّاً، ونقدنا بعضها لاستخراج الأفكار الفلسفية والعلمية والأدبيَّة التي تتضمنها. وقد اقتضى البحث أن نقسم هذه الدراسة على مدخل وثلاثة فصول وخاتمة تسبقها مقدمة عامَّة وفهرس للموضوعات، بالإضافة إلى إلحاق الدراسة بقائمة بأسماء المصادر والمراجع التي عدنا إليها. فخصَّصنا المدخل لدراسة مكانة إخوان الصَّفا في الفكر العربي الإسلامي، لما لهذه المسألة من أهمية كبيرة قبل الخوض في صلب الدراسة. فتحدَّثنا بإيجاز عن: أهمية إحياء التراث وكيفية التعامل معه، وعن أصالة الفكر العربي الفلسفي عموماً وإخوان الصفا خصوصاً، وعن قوة الحضارة العربية وأصالتها، وأشرنا إلى اختلاف الدارسين حول العصر الذي نشأ فيه إخوان الصَّفا، والاتجاهات المختلفة حول هذه الإشكالية، وبينَّا اختلاف الدارسين حول مؤلفي رسائل إخوان الصفا، وقدَّمنا وصفاً للرسائل وتقويماً لها قديماً وحديثاً، ووضَّحنا أهداف إخوان الصَّفا في رسائلهم من خلال آراء عدد من الدارسين والباحثين. ومن المؤكد أن هذا التقديم سيساعدنا على فهم الرسائل بشكل موضوعي، فنستفيد من ذلك في تحليل ودراسة الكثير من المسائل والقضايا التي تعترضنا أثناء الدراسة. وتناولنا في الفصل الأول دراسة مفهوم الإنسان، وماهية وجوده، ومعرفة مرتبته ومكانته بين الموجودات الطبيعية، فدرسناه من مختلف جوانبه الإنسية والحيوية والطَّبيعية، من خلال التعمق في دراسة الجسد وخواصه ومكوناته، ومن ثم التعمق في الجانب الروحاني من خلال دراسة النفس الإنسانية ومعرفة ماهيتها ومصدرها ومآلها، ثم معرفة العلاقة الوثيقة بينها وبين الجسد أي بين (الجوهر والعَرَض)، ثم وضحنا العلاقة بين النفس والعقل وصولاً إلى استخلاص أن الإنسان عالمٌ صغيرٌ مختصرٌ من العالم الكبير. أما الفصل الثاني: فخصصناه لدراسة مفهوم المعرفة في الرسائل، فتكلمنا على العلاقة بين مفهوم الإنسان ومفهوم المعرفة، ثم وضَّحنا مكانة المعرفة وسبل اكتسابها، ومن ثمَّ حدَّدنا طبيعتها، وغاياتها الأساسيَّة. وتناولنا في الفصل الثالث دراسة مفهوم الأدب وقضاياه الفنية، باعتبار أنَّ الأدب أوسع مصدر للمعرفة، فبينَّا العلاقة بين مفهوم المعرفة ومفهوم الأدب، وحاولنا استخلاص مفهوم الأدب في رسائل إخوان الصَّفا، معتمدين على إحصاء الاشتقاقات والدَّلالات المختلفة لهذه الكلمة، فوجدنا تعدد دلالات الكلمة وأن المعنى الدال على الثقافة الموسوعية هو الغالب في الرسائل، وأظهرنا مكانة الأدب ووظيفته الأساسيَّة من خلال التلازم بين الشكل والمضمون، وتحدثنا عن اللغة وبينَّا أهميتها كونها أداة للأدب، وحاجة الإنسان إليها، وحاولنا أن نلمَّ ببعض الجوانب الفنية مثل: خصائص الأسلوب في الرسائل ومدى تأثيرها في المتلقين، وكيفية توظيفها من أجل تحقيق الغاية الأساسية للأدب من خلال تجسيده للمعرفة التي تعد صلة الوصل بين مفهومي الإنسان والأدب. أما الخاتمة: فنبيِّن فيها كيفية الاستفادة من الآراء والنتائج التي توصلنا إليها خلال بحثنا في مفهومي الإنسان والمعرفة وعلاقتهما بمفهوم الأدب، وأهمية توظيف نتائج هذه الدراسة من أجل تقويم الإنسان المعاصر، من خلال استلهام القيم الإيجابية التي جسَّدها إخوان الصفا في رسائلهم، والتي تهدف إلى الرقي بالإنسان، ليصبح قادراً على تطوير الواقع وتغييره نحو الأفضل، من خلال تمثله روح حضارته. ولا بدّ لنا من أن نبيّن بعض الصعوبات التي اعترضتنا خلال الدراسة، وأهمّها: ندرة الأبحاث التي تدرس حقيقة الإنسان في رسائل إخوان الصفا دراسة شاملة ومترابطة، بل وجدنا بعض الدراسات التي تختصُّ بجانب معين من الإنسان مثل النفس، الأخلاق، السياسة، ولاشكَّ في أن هذه الدراسات لا تحقق الغاية المرجوة من دراسة مفهوم الإنسان، فعلينا أن ننظر إلى الإنسان نظرة شاملة تنسجم مع نظرة إخوان الصّفا الكلية له. أما فيما يتعلق بموضوع الأدب فلم نجد أية دراسة جادّة متخصصة في دراسة مفهوم الأدب عند إخوان الصفا، علماً بأن بعض الباحثين والأدباء قد أكدوا أن رسائل إخوان الصفا تشكل تراثاً أدبياً غنياً يجب دراسته والتعمق فيه من خلال تضافر عدد من الجهود لتحقيق ذلك. ومن الصعوبات الأخرى أن رسائل أخوان الصفا غير محققة بشكل علمي دقيق وكافٍ وهذا مما يتعب الباحث، ويجعله يبذل جهداً إضافياً في تحقيق النصوص والبحث عن مصادرها التاريخية وتوثيقها، وقد اعتمدنا في دراستنا على الطبعة المصرية التي عَني بتصحيحها خير الدين الزركلي وقدم لها طه حسين وأحمد زكي باشا. وكما عدْنا إلى الطبعة اللبنانية التي قدّم لها بطرس البستاني، ولم نجدْ فرقاً كبيراً بين الطبّعتين بل وجدنا أن الطبعة اللبنانية قد كررت الأخطاء ذاتها الموجودة في الطبعة المصرية، ولم تزد عليها إلا بشرح بعض المفردات والعناية بعلامات الترقيم. أتمنى أن أكون قد وُفِّقتُ في توضيح مفهوم الإنسان والمعرفة وعلاقتهما بمفهوم الأدب عند إخوان الصفا وبشكل ينسجم مع مجال الدراسة. إذ إنَّ ثمة جوانب كثيرة تتعلق بالمفهومات السابقة تحتاج إلى المزيد من الدرس، نرجو أن نتمكن في المستقبل من أن نلم بها. منـال عجـوب

الإنسـان والأدب فـي رسائل إخـوان الصفا.pdf

تفاصيل كتاب الإنسـان والأدب فـي رسائل إخـوان الصفا.pdf

للمؤلف: منال إسماعيل عجوب
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 1
مرات الارسال: 28

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T
عرض جميع الكتب للمؤلف: منال إسماعيل عجوب

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: