حقيقة.!

الكتاب هو الصديق الوحيد الذي يمكنك أن تفرغ إليه شحنة غضبك كاملة وتجده رغم ذلك يحتضنك ويقف بجانبك.

فـن الســينما جان كوكتو.pdf

للمؤلف: جمع وتحرير أندريه برنار وكلود غوتو
مقدمة بقلم : روبن باس ولد جان كوكتو (1889-1963) قبل سنوات من اختراع الصور المتحركة وتوفي بعد بضع سنوات من بداية أفلام الموجة الفرنسية الجديدة. في هذه المجموعة الجديدة من أعمال كوكتو الكتابية, يستذكر المؤلف عندما كان طفلاُ مشاهدته الأفلام الأولى لـ-الأخوين لوميير- ويعبر عن سعادته عندما أصبح عجوزاً لدى مشاهدته فيلمي فرانسوا تروفو: -الأربعمائة ضربة- و-جول وجيم-. بالرغم من أنه لم يكن مولعاً بالدراسة ولم يكن أكاديمياً قطُّ, فقد كان كوكتو مراهقاً مبكر النضج أوجد الأساس لمراجعة النقد الأدبي وقرأ قصائده الأولى على الملأ على مسرح -فيمينا- عندما كان في السابعة عشرة فحسب, حين اختلط مع الكتّاب, والفنّانين والموسيقيين الأكثر شهرة في باريس. الأمر الذي مكّنه من أن ينخرط ولو بشكل هامشي في الحركات الثقافية الرئيسية وفي فضائح ذلك الزمن, على السواء. لقد كان شخصية معروفة في مجموعة الروّاد, الأمر الذي جعله أكثر دراية بما يعنيه الانتماء إلى عصر الآلة الحديثة وذلك من خلال تجاربه كسائق سيارة إسعاف في الحرب العالمية الأولى, ولم يكن ليتجاهل وجود السينما. كانت هناك أسباب واضحة لحماسه الذي استمر معه ورافقه طوال سني حياته. كان كوكتو يملك مواهب متعددة تكمن في امتلاكه جوانب الثقافة وغرائز الهاوي للفن. كان يرسم, ويكتب ويؤلف القصائد, والمسرحيات, والروايات, والأغاني, والمشاهد الهزلية, ويرسم الجداريات. كان يعمل بسرعة, عندما تحضره ومضات من التألق, يمسك الإلهام, ومنفتحاً على كل شيء يدور حوله. هناك إشارة في روايته -الأولاد المرعبون- التي كتبها في عام 1929 وفي مدة ثلاثة أسابيع خلال علاج من الإدمان على الأفيون, بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الدعوة الإنجيلية الأمريكية, إلى أيسادورا دنكان, الى كوكو شانيل, إلى ماكبث, إلى نجوم السينما, إلى نيتشه, إلى راسين وكتّاب آخرين فرنسيين أو أجانب, إلى الديانة المصرية القديمة, وغيرها الكثير، كلهذه الإشارات، التي في بعض الأحيان تكون موحية ومفيدة، مطوية بخفة, وهي في ذلك مثل حلوى منفوشة يستطيع الآكل ابتلاعها، دون أن يلاحظ عدد السعرات الحراريةالتي يتناولها،وكان هذا أسلوب كوكتو: محبة لشدة التأنقتخفي العمل الشاق. وكان الجامع لكل تلك النشطات معاً, والضامن لسلامة الفنان الكامنة وراء التظاهر بالسطحية, هو ما يدعوه كوكتو بـ-الشعر-. لم يكن الشعر بالنسبة له يعني القصيدة فقط. فكرة الشعر هي تلك التّي مكنته من تصنيف جميع أعماله تحت عنوان (-الشعر الرومانسي- من أجل الرواية -رواية نقد الشعر- منأجل المقالات, و-الشعر من السينما- من أجل الأفلام ), وكل هذه العناوين مستمدّه من المذهب الرومانسي في الأدب. لم يكن الشعر بالنسبة له متعلقاً بشكل أدبي محدّد ولكن بنوعية يمكن أن تكون موجودة في مادة النثر, في الموسيقى, في الطبيعة أو حتى في نمط حياة كوكتو ذاته كما يظهر هذا في فيلم -الأولاد المرعبون-. ولكن بالنسبة لكوكتو, وعلى عكس الرومانسيين, لم يكن الشعر شيئاً من الغموض في العمق والجوهر, لكنه عملية آلية, كامنة في الأشياء (بما في ذلك معظم الأشياء اليومية) التي, حالما يتم إطلاقها, سوف تعمل بشكل غامض على العقل. إن دور الفنان, الشاعر, هو أن يستدعي الشعر - وهنا ما معناه الإشارات المتكررة للسحر وإلهام آلهة الفن والعلوم (عند اليونان) ويخلق الظروف التي يمكن العمل ضمنها: -يمكن أن يؤدي الشعر الوظائف بشكل أفضل في المرآب-, وهنا يتحدث كوكتو عن فيلمه -العودة الأبدية-, وهو بذلك يزدري أولئك النقاد الذين وجدوا في قلعة العشاق مكانا أكثر شاعريّة-. هو يزدري هؤلاء النقاد لأنه يحتقر مفهومهم المحدود لموضوع الشعر. لا يوجد الشعر فقط في الأماكن الزاهية الألوان مع عصبة مختارة ومنتقاة للمواضيع الشاعرية. إن الشعر موجود في كل مكان يمكن للشاعر أن يكتشفه. وقد تقرر مصير البشرية من خلال الآليات التي يمكن أن ينظر إليها من خلال سحرها الغامض. لذلك, كانت المهمة في الأساس أمراً عملياً: إنها مهمّة رجل المهنة, الذي يتيح لها العمل, وإن لم يكن بالضرورة هذا في الشعر. وعندما اختار كوكتو الشاعر أن يعمل من خلال الفيلم, فهو كثيراً ما يقارن نفسه مراراً وتكراراً بشخص يصنع منضدة, والهم الوحيد لهذا الشخص هو أن البنية صلبة، والأدراج تنزلق بشكل ملس، والأقدام ثابتة. سيأتي الجمهور بعد ذلك، مثل وسائل لجلسة استحضار الأرواح, يضعون أيديهم على الطاولة ولمعرفة ما إذا كان يمكن أن تستحضر الأرواح من خلال جعل الطاولة تدور. وهكذا فإن السينما ليست هي وحدها الوسيلة الوحيدة المناسبة تماماً للشاعر, لكن ربما تكون وسيلة مثمرة بشكل خاص. الأمر الأول, الذي يؤكد كوكتو عليه هو أن الآلية الكامنة وراء السينما هي مثل تلك الآلية الكامنة وراء الأحلام. وهو يرتاب بشدة من المثقفين والعقلانيين, وهذا الشك نابع من أنّ الحالمين والأطفال هم الأكثر تعرضاً وميلاً إلى الشعر. ثانياً, وبينما تخلق السينما حالة من التنويم المغناطيسي بين مشاهديها, فإن مشاهدة فيلم هو أيضاً بمثابة تجربة حلم بسبب -واقعيته-: نحن -نصدّق- ما نراه, حتى عندما يقول لنا المنطق إنّ ذلك مستحيل, ولأن إنتاج الأفلام ميكانيكياً بواسطة التقنيات يسمح باستخدام تأثيرات خاصّة أكثر إقناعاً وأعظم بكثير من تلك المستخدمة في المسرح, إذ بإمكان صانع الفيلم جعل -الحقيقي- غير واقعي ونسجاً من الخيال. تكون الأفلام التي ينجزها الشاعر عادة ذات طبيعة واحدة - وقد يختلف ذلك, على سبيل المثال، في حالة الأفلام المنجزة أساساً لأغراض تجارية أو استغلالية أو دعائية. لكن أياً من هذه الأفلام, طبقاً لفكرة كوكتو بخصوص الشعر, تكون بالمطلق أفلاماً -شاعرية-. لقد كره -نخبوية- سينما الفن وكتاباته عن السينما تظهر الدليل على ذوق انتقائي فإن الأفلام التالية على التوالي, -بن-هور-, -بيبي ليموكو-, -المدرعة بوتمكين-, -السيد فيردو-, -دم الحمقى- و-عيون بدون وجه- - عبارة عن - كوميديا, ميلودراما, أفلام وثائقية, أفلام رعب. بما أن وظائف الشعر تعمل في مرآب لتصليح السيارات, بشكل أفضل مما هو عليه في القلعة, لهذا يمكن أن يكون الشعر موجوداً حتى في الأقنعة المخترعة من أجل استخدامها في كوميديا التمثيلية الهزلية . كان كوكتو يستمتع بالترفيه -الشعبي- وغالباً ما كانت نصوصه السينمائية الخاصة (انظر, على سبيل المثال, المقتطفات في القسم الأخير من هذا الكتاب) تنسحب على الميلودراما والاستعراض المسرحي (الفودفيل). والمتعة التي يحصل عليها في محاور القصة الميلودرامية, التي تملك جرعة الحزن ذاتها الموجودة في الألحان الشعبية, قذارة الشوارع الخلفية وحانات مبهرجة, لا توازي حبّه للمؤثرات الخاصة, وبشكل خاص ذلك النوع من المؤثرات الذي يساهم في تغيير الأشياء من حال إلى آخر. إن تحّول حقيبة سفر إلى زهرة (الصورة النهائية في فيلمه الأخير, -وصية أورفيه-) هي, بالنسبة لكوكتو, شاعرية فعلاً كشاعرية فكرة التحوّلات الأسطورية في الأسطورة الكلاسيكية. عرف كوكتو أيضاً, وكتب بمودة عن مخرجي أفلام وممثلين أمثال: شارلي شابلن, ويلز, بريسون ومارلين ديتريتش. اجتمع مع شابلن في عام 1936 وذلك في جولة حول العالم في ثمانين يوماً لاقتفاء أثر بطل جول فيرن, تمّت بعد مراهنة مع مجلة -فرانس سوار-. نراه مع ويلز في بهو فندق في فينيسيا في وقت المهرجان ونجده يقدم التحية والإجلال إلى جيرار فيليب وجاك بيكير بعد وفاتهما. وهو كان أقرب من الكلّ إلى الممثلين ومنتجي الأفلام الذين عمل معهم, الأقرب من بين هؤلاء، بالطبع، لأنه رفيق جان ماريه. الفيلم الأول لكوكتو - دم الشاعر- كان في عام 1930 والذي يتميّز إلى حد كبير بأنه -فيلم فن-. وبالرغم من أن هذا الفيلم قد أنتج بعد خمسة أعوام من انقطاع عميق في العلاقات مع السرياليين , إلا أنه ينتمي بوضوح إلى فترة صناعة الأفلام التجريبية في فرنسا خلال العشرينيات من القرن العشرين, تلك الفترة التي أنتجت فيلم بونويل تحت عنوان - العصر الذهبي- (والذي أيضا تم تمويله من قبل كومت دو نواي). إنّه خلاصة وافية تامة لأفكار كوكتو , بما تحويه من إشارات إلى أسطورة اورفيه والى معركة كرة الثلج في فيلم -الأولاد المرعبون-. وأهم من كل شيء أن الفيلم سمح لكوكتو باكتشاف القوة الكامنة للوسيط وللتأثيرات التي كان يستعملها على نحو أكثر انضباطا في الأعمال التي أتت تالياً. بعد فيلمه - دم الشاعر- لم ينتج أي فيلم آخر إلا فيلم -الحسناء والوحش- في عام 1946, تجربة سجّلها في فيلم الحسناء والوحش : يوميات رجل مجهول, -مفكرة فيلم في عام 1950-. ما سجّلته المفكرة هو تعاقب التجارب بشكل يفاجئ المؤلف في كل مرة أراد فيها أن يرى ماذا بداخل أستوديو السينما: لا يوجد هناك المشاكل التقنية العادية فقط, ولكن يوجد عند -جان ماريه- الدمامل ومشاكل لا تنتهي مع ماكياجه, بينما كوكتو نفسه يتحمل نشرة كاملة من الأمراض (بشكل رئيسي الحصبة والإرهاق) على رأس قمة الصدمات العاديّة التي تواجهها عملية إخراج الفيلم. وبشكل لا يصدق، كان هذا بداية لفترة من العمل المتواصل للسينما, الذي استمر مع فيلم -النسر ذو الرأسين- (1947) وفيلم -الآباء الرهيبون- (1948) وانتهاء وبلا شك بقطعته النادرة -أورفيه- (1950). بعد ذلك, أنتج فيلماً واحداً آخر هو وصية أورفيه في عام 1959 الذي يلعب فيه الدور الرئيسي. الأمر الرائع جداً بشأن أفلام كوكتو هو تناغم هذه الأفلام مع بقية أعماله ووفاؤه المطلق لهواجسه الشخصية التناغم الذي كان تحقيقه ممكناً فقط بسبب تفهم فريق عمله. وهو غالباً ما يعبر لأعضاء هذا الفريق عن مودته ويقدّم لهم تحيات الإجلال والاحترام, فمثلاً هنا :جورج أوريك الذي كتب الألحان الموسيقية لكل أفلام كوكتو, ما عدا الفيلم الأخير, كريستيان بيرار, المدير الفني في أفلام -الحسناء والوحش-, -النسر ذو الرأسين- و- الآباء الرهيبون-, المصمم جورج واكيفيتش في فيلم -النسر ذو الرأسين- والمصوران هنري اليكان في فيلم -الحسناء والوحش- وميشيل كيلبيه في فيلم -النسر ذو الرأسين-. إضافة إلى ذلك وكونه في المقدمة بين معاصريه في إدراك دور المشاهد في -صنع- عمل فني, اعترف كوكتو بسهولة بأن السينما هي مغامرة تعاونية يمكن أن يكتب النجاح للمؤلف - المخرج فيها فقط بتضافر الجهود المبذولة مع الآخرين. عدد قليل من المنتجين فقط من أمثال كوكتو كانوا من بين الكرماء في كيل المديح لمعاونيهم في العمل , رغم ذلك يمكن أن يكون هناك بضعة من صنّاع الأفلام السينمائية الذين يمثلون بشكل واضح ما يجب أن يكون عليه عمل المخرج مثلما قام به كوكتو. كان كوكتو يعلّق أهمية كبيرة على الصداقة وغالباً ما يقول: دائماً ما يسيطر القلب على العقل. وهذا يعني, من ناحية أخرى, أن كتابته عن فيلم تحتوي القليل من التوقعات النظرية , بصرف النظر عن وضع مفاهيمه فيما يخص الشعر, وهذا ما قام به ضمن شروطه الخاصة (صناعة المنضدة , الآلهة -آلهة الإلهام , الإغريقية في السينما...الخ-, وعملياً ليس لديه نقد عدائي. لو كره فيلماً، يفضل أن يتجاهله. عندما يتحدث عن أصدقائه, هو يفعل ذلك من أجل أن يمدحهم, وأن يوجه الانتباه إلى براعة عملهم. في بعض الحالات (مثلاً, محاولته المتملقة للتعبير عن سحر مارلين ديتريتش), وهو في الحالة التي يكون العرف يتطلب هذا النوع من المواقف: يوافق بصعوبة أن يأتي إلى خشبة المسرح لكي يقدم مارلين إن كان لديه شيء يذمّها. ولكن, في كثير من الأحيان, تقنعه المحبة أن يتصرف كما لو كان تحت نفس النوع من الالتزام لكي يمتدح, في حين أنه لا يفعل ذلك. النتيجة هي أنّه, كالنقد, قد تبدو هذه الكتابات لطيفة. لكن غياب الحقد يكون, في أسوأ الأحوال, عيباً جذّاباً, ولدرجة أكبر في رجل كان معرضاً دوماً لنقد شخصي قاس. عند الحديث عن فيلم جون ديلانوي تحت عنوان -العودة الأبدية- الذي كتب له كوكتو النص وصف الناقد فرانسوا فينويه في صحيفة -أنا في كل مكان- الفاشية في عددها الصادر في تشرين الأول 1943, كوكتو على أنه رجل مسن متقلب وأنه من الجنس الثالث والذي -في نزواته النسائية- يقتفي كل الأزياء, أنه المهرج وسخ الثياب, -المرأة الدلوعة شديدة الاهتياج- وصاحب -ذكاء متقلب على الدوام-. هذا بالتأكيد ليس, وصفاً لطيفاً, لكنه ليس بأي حال من الأحوال مثار إعجاب. وما عدا الإشارة الواضحة إلى الشذوذ الجنسي عند كوكتو, فإن اتهام كوكتو بالانتهازية هو بالإجمال اتهام غير عادل ويأتي بشكل خاص من كاتب له مساهمات في صحيفة معادية له. تكمن الصعوبة الأخرى مع أي مقتطفات أدبية مختارة كمثل هذه الكتابات العرضية بأنها قد تصبح تكراراً. وهذا أمر حتمي في كتاب لم يتم تصميمه لكي يكون كذلك: ما تمّ جمعه هنا هو ملاحظات, ومقالات ومواد صحفيّة الغرض منها خدمة تشكيلة متنوعة من القرّاء والأمكنة. البعض يقدّم الدليل، إنّه تمت كتابة هذه المقتطفات على عجل, وبطريقة تحمل مفاهيم الآخرين, وإنه تم تكرار مقاربات أو اقتباسات كانت تبهج كوكتو, من حين لآخر كلمة بكلمة. لم تمتد بهرجته إلى درجة الرفض التام لإعادة استعمال خط جيّد إلى جمهور جديد, وذلك يعود إلى أنّ هذا الجمهور قد أصبح مجموعة القراء الوحيدة لهذا الكتاب, والذي كان في بعض الأحيان ينظر إليه على أنه يحكي نفس القصّة مراراً وتكراراً. بالرغم من ذلك, ما بين أيدينا هو عبارة عن مجموعة رائعة. تسلط هذه المجموعة, بداية, الضوء على ما قدّمه كوكتو من أعمال إلى السينما, ذلك مع مناقشات مفصّلة عن أهدافه في فيلم -الحسناء والوحش- , الخطوط العريضة لسيناريو عن أورفيه, الردود على النقد الموجّه لفيلم وصية أورفيه, الانعكاسات على العلاقة بين السينما والمسرح وتفسير لنواياه وأهدافه المتضاربة في إنتاج -النسر ذو الرأسين- و-الآباء الرهيبون-. يكشف القسم الأخير من المقتطفات غير المنشورة المقدار الكبير من استخدام كوكتو لعناصر من الميلودراما وأنه صاحب عقيدة تؤمن -بآليات- القدر: مثلاً المحتال المنحوس الذي يريد أن يتم إلقاء القبض عليه, والثنائي العاشق الذي يتبادل المزاج بسبب التنويم المغناطيسي أو ضربة على الرأس. الأهم من ذلك, يظهر القسم الأخير من هذا الكتاب كوكتو كفدائي محارب في قضية الفن السابع. لقد كره كوكتو كلمة -سينما- , مفضلاً استخدام مصطلح عفا عليه الزمن بالفعل وهو -صناعة السينما-. صناعة السينما هو الاسم الذي أطلقه الأخوان لوميير على آلة تصويرهما, الكاميرا, وأصبح كوكتو المالك للتسمية بالمعنى البديل: يصف قاموس -روبر الصغير- كلمة سينما بأنها -عفا عليها الزمن أو تعليمية-, ويوضّح ذلك بالاقتباس التالي من كوكتو: -إن صناعة السينما هي فن. وسوف تحرر نفسها من عبودية الصناعة. هذا موجز رائع. ما أعرب كوكتو عن الأمل بأن يقوم به, كان إحياء المصطلح, الهادف لتمييز فن -صناعة السينما- من وسائل الترفيه العابر السريع الزوال الذي قدمته السينما. أراد بث الحياة في الكلمة الميتة, تماماً كما حاول (في شعره, في مسرحياته, في أفلامه وفي نقده) إعطاء معاني حديثة للأساطير الكلاسيكية: يخبرنا أن الإلهة الإغريقية (إلهة السينما) في السينما , ليست صبورة, ولن تعطي وقتاً لصناعة السينما لكي تؤسس نفسها كما هو بمقدور الشعر (شعر القصيدة) أن يفعل. وفي العبارات اليومية الدارجة: يكلّف نشر كتاب شعر مبلغاً قليلاً من المال, ولكن مبالغ طائلة يجب وضعها لصناعة فيلم, وبالتالي, الناس الذين يمولون الفيلم يريدون رؤية عائدات استثماراتهم , ويفضلون أن يحصل ذلك قبل القرن المقبل. ولذلك فإن فن السينما هو عبد لمن يدعمه, الذين يفضلون المواضيع التي يعرفون سلفاً أنها ستجذب جمهوراً فورياً. تمثّلت مثل هذه الصناعة السينمائية المفرطة في التسرع في هوليوود. لم يكن كوكتو يستمد إلهامه من الوجه السهل للسينما والمعادي لأمريكا : انه يبدي حماسة في هذه الصفحات لكل من ويلز , فيدور, شابلن ودو ميلل, فضلاً عن شخصيات غامضة أكثر من ذلك بكثير مثل روبرت مونتغمري. هو يشعر بأنه تم تكوين رأي خاطئ بشأن الأزياء والأنماط السائدة ما بعد الحرب في أوروبا, أو بشأن الأدب القصصي الأمريكي المثير وأفلام الويسترن. وكتب من حين لآخر عن التأثير الحاصل -هنا- من قبل نظام النجومية في سينما هوليوود, وعلى سبيل المثال في مقالاته المميزة عن بريجيت باردو وجيمس دين. كان هدفه, كالعادة, ليس التقليل من الشأن أو التقويض ولكن لإحراز الانفتاح: لإنشاء طرق موازية يستطيع من خلالها الجيل الشاب الانخراط في صناعة الأفلام والبحث عن المشاهدين. لقد دعم مهرجان سينماMaudit -سينما الفيلم الملعون-، بشكل نشيط في مهرجان بياريتز وهو يشرح بالتفصيل مزايا فيلم 16 مليمتر, وأطلق عليها اسم -الـ16 العظيمة-. ولقد كان مخطئاً في اعتقاده أن مستقبل السينما المستقلة يكمن في هذه الصيغة من الحجم, ولكنّه كان مصيباً في الترويج لمزايا الاستقلالية. وهو محق كذلك في فهمه أنّ -مشاهد- السينما, هو في الحقيقة, عدّة مشاهدين وإنّه يجب إيجاد السبل للوصول إليهم, من أجل الحفاظ على سوية الأفلام من الماضي وإعطاء الأفلام الجديدة وقتاً لمزيد من العمل. كما في كثير من الأحيان, يتم تبني مواقفه في هذه الأمور مع الوعي الذي يدل على وجود عنصر من عناصر درامية لتفخيم أمور النفس وتعظيم الذات: هو يقول انه يقف إلى جانب الشباب, إلى جانب الفن ضد جشع الثروة, بعد أن اختار أن يضع نفسه في قفص الاتهام مع المتهمين, وليس على مقاعد البدلاء مع القضاة. كانت واحدة من حكمه المفضّلة القول - عندما ينتقدك الجمهور حول شيء ما, احصد ذلك - إنّه أنت-. لم يكن التواضع الزائف واحداً من عيوبه, وهو يقتبس, وبارتياح , أمرين جيّدين حول عمله. بعد أن اختار وضع نفسه في قفص الاتهام مع المتهمين, فهو بذلك يتكيّف مع النقد, وادعائه المستمر بأنّه لم يكن حقّا منتج أفلام, بالإضافة إلى موقفه المناهض للموقف الفكري, يعني انّه ليس منظّراً سينمائياً أيضاً. رغم ذلك فان كتاباته عن السينما هي شهادة استيعاب تشد الانتباه وخاصة أنها تأتي من واحد من أكثر المخرجين الفرنسيين تفرّدا , مخرج كان منسجماً وثابتاً في دعمه والترويج لفكرة محددة للسينما على أنها فن, وهو في ذلك متميّز عما يعرف بالعادة - السينما الفنية-. لا غنى عن أعماله الكتابية والاعتماد عليها كأساس لفهم كامل أفلامه الخاصة وسوف تبقى هذه الأعمال ذات قيمة كبيرة في التعمق ونفاذ البصيرة الذي تقدمه وتعبر عنه في لحظة معيّنة من تاريخها. بالرغم من أن المظهر الخارجي لهذه الكتابات يبدو وكأنه ينتمي لفنان هاو , إلا أن كوكتو لم يكن هاوياً قطُّ : اقترب من عمله في السينما باندفاع حاد وقوة. تبقى هذه الأفلام ذاتها التقدير الأكثر إقناعاً على عاطفته التي رافقته طوال حياته لخدمة صناعة السينما, وهذه المجموعة الكتابية, بالرغم من أن كوكتو لم يكن يقصد أن تشكل هذه القطع المتباينة وحدة متكاملة, فإنها تظهر الآلية التي تشتغل فيها هذه العاطفة , بطريقة كان سيوافق عليها كليّاً.

فـن الســينما جان كوكتو.pdf

تفاصيل كتاب فـن الســينما جان كوكتو.pdf

للمؤلف: جمع وتحرير أندريه برنار وكلود غوتو
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 0
مرات الارسال: 28

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T
عرض جميع الكتب للمؤلف: جمع وتحرير أندريه برنار وكلود غوتو

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: