حقيقة.!

الكتاب هو الصديق الوحيد الذي يمكنك أن تفرغ إليه شحنة غضبك كاملة وتجده رغم ذلك يحتضنك ويقف بجانبك.

سياسة الأدب.pdf

ليست سياسةُ الأدب سياسةَ الكتَّاب. وهي لا ترتبط بالتزاماتهم الشخصية في الصراعات السياسية أو الاجتماعية لعصرهم. كما أنها لا ترتبط بطريقة تصويرهم للبنى الاجتماعية أو الحركات السياسية أو الهويات المختلفة في كتبهم. تنطوي عبارة سياسة الأدب على أن يقوم الأدبُ، بوصفه أدباً، بممارسة السياسة. وهي تفترض أنه لا مكان للتساؤل في ما إذا كان على الكتَّاب أن يمارسوا السياسة أم، في الأحرى، أن ينذروا أنفسهم لنقاء فنِّهم، بل إن في هذا النقاء نفسه ما يربطه بالسياسة. كما تفترض وجود صلة جوهرية بين السياسة بوصفها شكلاً خاصاً من الممارسة الجماعية والأدب بوصفه ممارسة محددة لفن الكتابة. إن طرح المشكلة على هذا النحو يُلزمنا بتوضيح المصطلحات. سأقوم بذلك باختصارٍ أولاً في ما يتعلق بالسياسة. فنحن غالباً ما نخلطها بممارسة السلطة والصراع على السلطة. بيد أنه لا يكفي أن تكون هناك سلطة كي تكون هناك سياسة. لا بل لا يكفي أن تكون هناك قوانين تنظم الحياة الجماعية، بل يجب أن يكون هناك نمطٌ لشكلٍ محدد للمجتمع. والسياسة هي تكوين حيّز من خبرة خاصة يتم فيه تعيين بعض الأهداف المشتركة ويُنظَرُ فيه إلى بعض الأشخاص على أنهم قادرون على تحديد هذه الأهداف وسوق الحجج بشأنها. لكن هذا التكوين ليس معطىً ثابتاً يستند إلى ثابتٍ إنثروبولوجي، فالمعطى الذي تستند السياسة إليه هو مثار جدل دائماً. وقد أكدت صيغةٌ أرسطية شهيرة أن البشر كائنات سياسية لأنهم يمتلكون الكلام الذي يتيح لهم تقاسم العدل والظلم في حين أن الحيوانات تمتلك الصوت فقط الذي يعبر عن اللذة أو الألم. غير أن المسألة كلها تكمن في معرفة من هو قادر على الحكم على ما هو كلامٌ حاسم وما هو تعبيرٌ عن الانزعاج. وبمعنى ما، فإن النشاط السياسي كلَّه هو صراعٌ من أجل تحديد ما هو كلام أو صراخ، وإذن، من أجل إعادة رسم الحدود الدقيقة التي من خلالها تثبت القدرة السياسية نفسها. وللوهلة الأولى تعرض جمهورية أفلاطون أن الحرفيين ليس لديهم الوقت للقيام بأي شيء آخر سوى عملهم: ذلك أن انشغالهم ودوامهم وقدراتهم التي تتكيَّف معهما تمنعهم من تلبية متطلبات هذا النشاط الإضافي الذي يشكله النشاط السياسي. والحال أن السياسة تبدأ تحديداً حين يعاد الطعن بهذا المستحيل ، أي حين يأخذ هؤلاء، الذين ليس لديهم الوقت للقيام بأي شيء آخر سوى عملهم، هذا الوقت الذي لا يملكونه كي يثبتوا أنهم كائنات ناطقة تساهم في عالم مشترك وأنهم ليسوا حيوانات غاضبة أو متألمة. إن هذا التوزيع وإعادة التوزيع للفضاءات والأزمنة والأمكنة والهويات والكلام والضجيج والمرئي واللامرئي يشكلان ما أدعوه تقاسم المحسوس. يعيد النشاط السياسي تمثيل تقاسم المحسوس، فهو يُدْخِلُ إلى الحلبة المشتركة أشياء جديدة وأشخاصاً جدداً، وهو يجعل مرئياً ما كان غير مرئي، ويجعلنا نصغي إلى هؤلاء الكائنات الناطقة التي لم نكن نصغي إليها سابقاً إلا كحيوانات صاخبة. تقتضي عبارة سياسة الأدب إذن أن يتدخل الأدب، بصفته أدباً، في هذا التقسيم للفضاءات والأزمنة والمرئي واللا مرئي والكلام والضجيج، وأن يتدخل في هذه العلاقة بين الممارسات وأشكال الرؤية وصيغ القول التي تجزِّئُ عالماً أو عوالمَ مشتركة.

سياسة الأدب.pdf

تفاصيل كتاب سياسة الأدب.pdf

التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 1
مرات الارسال: 22

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: