حقيقة.!

الكتاب هو النور الذي يرشد إلى الحضارة.

الشعر المحكي في الشام زمـن الاستعمار الفرنسي.pdf

في يوم ما من بداية الأربعينيات، كان هنالك ولد لم يتجاوز السابعة من عمره، يمسك بيد أمه وهما يقطعان أحد شوارع دمشق عندما شاهدوا من بعيد جماعة من الناس يتصايحون بأصوات غير مفهومة. وعندما اقترب الحشد منهم قال لأمه: (إنها مظاهرة! أليس كذلك؟). وإذ أصاخ سمعه لما يقوله رجل نحيل الجسم يعتلي كتفي أحد الأشخاص، والآخرون يرددن كلامه، هزّت هتافاتهم أوتار قلبه. ومن يومها نُقش في ذاكرته بعضُ ما سمعه. وغاص بعضه الآخر ممّا سمعه في هوّة النسيان. لكن ليترك تساؤلات تدفع ذلك الطفل للمعرفة، وتغريه بالبحث. لماذا كل تلك الهتافات العدائية؟ ومن هو هذا الشيخ الذي دوّت الهتافات بشتمه، ونُقشت في الوقت ذاته لوحات رخامية كثيرة باسمه في سائر مدن سورية ومنها لوحة باسمه (شُيّد في عهد الشيخ تاج الدين الحسني، رئيس الجمهورية السورية) معلقة على مبنى البريد في (القنيطرة)، مدينة الطفل، حتى عام 1967. وتساءل الولد في سرّه (وهل هذه الهتافات من نوع الشعر الذي نحفظه في المدرسة، أم هي أغنيات؟!). ومرّ الزمن وكبر الطفل، ومضت مرحلة من طفولته مع انقضاء مرحلة من تاريخ سورية الحديث. وبدأت معارفه تتسع وتزداد. فأصبح يعرف من هو ذلك الشيخ، وما سبب الهتافات التي كانت تندّد به، ومامعنى الخيانة والعمالة والتخلّف والانتداب والاستعمار والتسلط، والكرامة والنضال والوطنية والتحرر والاستقلال، وغيرها من مفاهيم كثيرة. كما أصبح يعرف معنى الأدب وفنونه وميادينه، ويميّز بين الشعر الفصيح والعامي. وليس ذلك وحسب، بل اخذتُ أجمعَ كل ما يقع بين يدي من كتب وكرّاسات وصفحات من مجلاّت، وجُذاذات من جرائد، مما يخص الشعر الشعبي، وقصائده التي بدت لي وكأنها قطع عملة قديمة نادرة (وأعني ما قيل منها زمن الانتداب). وبعد عام 1967 وكنت قد فقدتُ كل ما تحتويه مكتبتي، وأصبحت إقامتي في دمشق، واصلتُ من جديد اهتمامي بذلك، وتعرفت على بعض هؤلاء الشعراء الشعبيين، وكتبت عنهم، وألقيت محاضرات حولهم، وتجمّع لديّ كمٌّ لا بأس به من أشعارهم التي تعرض صورة حية لحياة هذا المجتمع من خلال ما حصلت عليه من هذا الشعر الذي نظمه شعراء الشام بين بسنة 1920 و 1946 وهو ما تقوم عليه دراستنا هذه التي نقدمها بعنوان الشعر الشعبي في الشام زمن الانتداب. ونحن نقصد بالشام هنا (دمشق) وحدها، وهو ما تعرف به منذ زمن قديم، وهذه التسمية هي من باب إطلاق الكل على الجزء. وتقوم الدراسة على الفصول التالية: الفصل الأول:في الشعر الشعبي؛ تعريفه ومعناه وغايته وقيمته، وتاريخه وفنونه، وما عُرف به من تسميات في بعض الأقطار العربية. الفصل الثاني:تحدثت فيه عن الأوضاع الاجتماعية والعلاقات التي عرفتها فترة الانتداب، وما تتجلّى فيها من مظاهر وانطباعات، وأثبتّ بعدها نصوصاً حول هذه الأوضاع، راعيت فيها وفي النصوص الواردة في الدراسة ناحيتين: الترتيب الزمني، والموضوعات المتشابهة. الفصل الثالث:تحدثت فيه عن الحياة السياسية، وما فيها من محطّات ومواقف، وأتبعتها بنصوص تعبّر عن ذلك. الفصل الرابع:تحدثت فيه عن الأحوال الاقتصادية، وما تحمله من قضايا وانعكاسات، وألحقتها بنصوص حول ذلك. الفصل الخامس:اقتصرت فيه على إيراد النصوص التي تعبّر عن المشاعر الذاتية التي تتناول أغراضاً شعرية مختلفة، من التأمل والحكمة والهم والشكوى والحب والغزل والوصف. وفي آخر المطاف ختمت الدراسة بنظرة أخيرة شاملة، عرضت حول هذا الشعر فيها بعض النقاط . كما أوردت بعدها أسماء أولئك الشعراء الشعبيين الذين عُرفوا أيام الانتداب واستندت إلى آثارهم في دراستي. منهم من عرفوا بأسمائهم الصريحة، ومنهم من اكتفوا بدلاً من ذلك بذكر ألقاب، أو أحرف من أسمائهم. أما بشأن النصوص الشعرية التي جمعتها، فلم يكن الحصول عليها بالأمر الهيّن، فقد رحل أصحاب هذا الشعر دون أن يتركوا وراءهم آثاراً مطبوعة. وإن هم كانوا قد تركوا آثاراً مخطوطة، فإن أبناءهم لا يعرفون شيئاً عنها، وإن عرفوا أو كان لديهم شيء منها، فإنهم ينكرون ذلك ويتكتمون عليه، ويحسبون أننا سنسلبهم إياها، في الوقت الذي لا يعرفون ما يفعلون بها، إلى أن يأتي يوم تعبث بها أيادٍ تجعلها هباء وكأنها لم تكن. وأكثر ما حصلت عليه كان من أعداد مجلة (المضحك المبكي) لصاحبها حبيب كحالة، ومن عدد من الكراسات التي يقوم بإصدارها بعض المطابع والمكتبات تحت اسم (الأغاني والأناشيد والقصائد الشعبية) وذلك بدافع المنفعة التجارية. ومن بعض الكتب والدراسات التي صدرت فيما بعد، وفيها شيء من هذا الشعر. كما أخذته من بعض الشعراء الذين التقيت بهم، وقامت بيني وبينهم صداقة ومودة، أو من ورثة آخرين منهم مثل السيدة جوهرة كريمة سلامة الأغواني، والفنان السيد راشد الشيخ نجل عبد الغني الشيخ. وهناك عدد من الأصدقاء والمعارف الذين تكرموا عليّ بتقديم بعض القصائد. ولجميعهم مني جزيل الشكر والتقدير، وأخص بالذكر منهم الصديق محمد نذير الحلبي.

الشعر المحكي في الشام زمـن الاستعمار الفرنسي.pdf

تفاصيل كتاب الشعر المحكي في الشام زمـن الاستعمار الفرنسي.pdf

التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 2
مرات الارسال: 24

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: