عدو الشعب.pdf
للمؤلف: هنـريـــك إبســــن
مدخل لدراسة إبسن ومسرحية عدو الشعب ولد هنريك إبسن في العشرين من آذار عام (1828) في سكيين، وهي بلدة في النرويج بلغ عدد سكانها آنذاك ثلاثة آلاف نسمة. اهتم إبسن بالمسرح منذ نعومة أظفاره، حيث كان يصنع دمىً من أجل عروض مسرحية منزلية. عمل والده تاجراً، وسرعان ما أصابه الإفلاس عام (1836)، فانتقلت العائلة إلى منزل ريفي. وفي الخامسة عشرة من عمره، ترك إبسن المدرسة، وأُرسل إلى بلدة أخرى صغيرة تدعى، غرمستاد حيث عمل في صيدلية هناك. عاش إبسن وقتئذٍ أوضاعاً مزرية، وكان ناقماً على وضعه الاجتماعي وفقره المدقع وعازماً على إيجاد مخرج، فحاول إبعاد الكآبة واليأس عنه بكتابة الشعر، وحين بلوغه الثامنة عشرة تبنى طفلاً أخذ يعيله من موارده الضئيلة طوال الأربع عشرة سنة التالية. كانت النرويج أيام إبسن بلداً زراعياً من أقل البلدان تطوراً في أوروبا الغربية، ويعيش ظروفاً شبيهة بظروف القرون الوسطى. فقد خضعت للحكم الدنماركي منذ العام (1387) حتى العام (1814)، واعتمدت ثقافياً إلى حد كبير على الدنمارك، إذ لم يكن الأدب يكتب بالنرويجية بل بالدنماركية. وفي مرحلة الحروب النابليونية، حازت النرويج استقلالها لمدة بسيطة، فقد خضعت بعدها لسيطرة السويد السياسية مع أنها حاولت الحفاظ على شيء من سيادتها، لكنها لم تستقل تماماً إلا في العام (1905) أي قبل سنة من وفاة هنريك إبسن. وظلت النرويج بعد ذلك بلداً صغيراً ريفياً يحكمه كلياً موظفو الحكومة، وتسوده نظرة دينية واجتماعية تقليدية محافظة. كان إبسن الشاب يشعر وكأنه منبوذ من مجتمعه، فقد فقدت العائلة مالها ومكانتها الاجتماعية. وحاصرته الثرثرات المحلية بأنه قد يكون هو نفسه ابناً غير شرعي، لأنه تبنى طفلاً من أبوين غير شرعيين. وحين كان يعمل في غرمستاد ، كان عَليّة القوم هناك ينظرون إليه نظرة اجتماعية دونية. نتيجة لذلك كان حقيقةً منبوذاً من الناحيتين العاطفية والثقافية، فأخذت أفكاره العلمانية بالظهور، واعتنق مبادئ سياسية متطرفة، وصمم على الخروج من تقييدات المجتمع المحلي، فاستعد للالتحاق بجامعة كريستيانيا (أوسلو حالياً)، وراح يكتب المسرحيات الشعرية. فقد نشر أول مسرحية له كاتالين عام (1850) بمساعدة أحد أصدقائه، ورُفضت المسرحية للعرض في مسرح كريستيانيا، وبيعت معظم النسخ لبقال مجاور كي يستخدمها في صر مبيعاته. استندت المسرحية إلى أحداث ثورةٍ أيامَ الرومان، مستلهمة الأحداث الثورية السياسية التي سادت أوروبا في العام (1848)، والتي كان من نتائجها ظهور حكومات ديموقراطية، ولو لمراحل وجيزة، ضد أشكال الحكم الشمولي. انصب اهتمام إبسن منذ البداية على موضوع سعي الفرد من أجل الحصول على حريته الفردية الإنسانية كي يتمكن من تقرير مصيره في الحياة أكثر من حصوله على حريته السياسية. وفي نيسان عام (1850) غادر إبسن غرمستاد وأمضى أسبوعين مع عائلته في آخر زيارة لهم؛ فذهب إلى دراسة الطب في جامعة كريستيانيا والتحضير من أجل امتحانات الدخول، رسب بعدها في اللغة الإغريقية والحساب، فترك الدراسة الجامعية وقتئذٍ. كانت مسرحيته رابية الدفن أول مسرحية تُعرض له على خشبة مسرح كريستيانيا في إيلول عام (1850). وفي العام التالي، عُين إبسن مديراً للمشاهد في المسرح القومي في بيرغن والذي استمر يعمل فيه طيلة السنوات الست التالية. فقد كان مسؤولاً عن إدارة الخشبة، وترتيب المشاهد، والإشراف على حركة الممثلين، كما كان يقدم مسرحياته المكتوبة للتمثيل على نحو منتظم. وفي العام (1852) قام برحلة دراسية زار فيها المسارح في ألمانيا والدنمارك، حيث تعلم الكثير عن العروض المسرحية الحديثة التي كانت تهمه في عمله وفي تطوير إبداعه المسرحي. دأب المسرح القومي في بيرغن آنذاك على محاولة خلق تقاليد نروجية فنية تقف في وجه المسرح الدنماركي. ومن المسرحيات التي كتبها إبسن في تلك الأثناء أمسية سان جون (1852)، والسيد إينغر من أوسترات (1854)، والعيد في سولهوغ (1855)، والفايكنغ في هيلغلاند (1857)، وملهاة الحب (1855). كان إبسن قد حصل على وظيفة في المسرح النرويجي في كريستيانيا في العام (1857)، حيث عُرضت فيه بعض مسرحياته، وبعدها بسنة تزوج بنت قسيس تدعى سوزانا ثورنسن. تدهور وضع هذا المسرح مالياً إذ كان يتعرض لانتقاد بسبب سياساته، وأفلس في عام (1862)، الأمر الذي أدى إلى انقطاع الراتب المنتظم الذي تسلمه إبسن مدة سنتين. حصل إبسن خلال تلك الأيام على منحة حكومية لمدة وجيزة قام فيها بجمع الأغاني والحكايات الشعبية. وفي العام (1864) حصل على منحة سافر بها إلى روما. وقضى بعدها معظم حياته خارج بلاده متنقلاً بين إيطاليا وألمانيا حتى العام(1891). وكان ابتعاده بسبب إرادته الذاتية وبسبب امتعاضه من رفض السويد والنرويج مساعدة الدانمرك في حربها مع ألمانيا، فقد كانت الحركة النرويجية اّنذاك جزءاً لا يتجزأ من النزعة الإسكندنافية الكبرى. كانت مسرحيات إبسن قبل أن يغادر النرويج، مع استثناءات قليلة، مسرحيات تاريخية مكتوبة شعراً. وحين غادر، ابتعد إبسن عن الروح القومية الرومانتيكية التي تميزت بها مسرحياته الباكرة. ومع ذلك، تابع كتابة المسرحيات وكانت النروج أرضية اجتماعية لها مدعياً أنه يهدف من وراء ذلك إلى استنهاض مواطنيه من خمولهم. كُتبت مسرحية براند في روما ونُشرت عام (1866) وهي مسرحية شعرية مطولة تُعنى بكفاح الإنسان من أجل تحقيق مُثل عليا وضد القيود المفروضة على جهوده. أسست هذه المسرحية لشهرة إبسن بوصفه كاتباً نرويجياً كبيراً؛ وبعد العام (1866) تحرر نهائياً من أعبائه المادية. ومع النقص في دراسته الجامعية وفي التقاليد المسرحية في النرويج، تمكن إبسن من مواجهة هذا التحدي عن طريق قراءته الواسعة ومحاولته المستمرة وملاحظته الدقيقة ليصبح كاتباً مسرحياً ناجحاً. وفي عام (1867) نشرمسرحية بيرجنت وهي مسرحية شعرية طويلة تعالج موضوع السعي من أجل قضية الحرية والمثل العليا من زاوية أخرى. فحين يظهر براند رجل دين مثالياً يضحي بحياة ابنه في أثناء محاولة بحثه عن ذاته الدينية وتحقيقها، يظهر بيرجنت بوصفه مغامراً مستهتراً غير صادق وغير منسجم مع نفسه. كتبت هاتان المسرحيتان الشعريتان من أجل القراءة وليس من أجل وضعهما على المسرح، وتبعتهما مسرحية الإمبراطور وغليلي عام (1873)، وهي مسرحية نثرية عدّها إبسن دائماً عمله الرئيس، وتدور حول الصراع بين القوتين الدينية والدنيوية. لقد كانت المسرحيات التي كتبها في المرحلة التالية سبب شهرته الكبرى، حين قام بالجمع بين الخلفية (الزمانية والمكانية) المرسومة في مسرحيتي براند وبيرجنت والأسلوب النثري الذي اتخذه في مسرحيته الإمبراطور وغاليلي ليطور المسرحية الواقعية القادرة على التعبير عن اهتمامه الأساسي بقضية بحث الإنسان عن حريته والنضال ضد القيود التي يفرضها المجتمع والماضي على هذا البحث. لم تكن هذه المسرحيات شاعرية من جهة لغتها، لكنها تُظهر رؤىً شاعرية عبر أحداث الحياة اليومية وأفعالها، استخدم إبسن فيها شخصيات وخلفيات وأزياء وحوادث واقعية للتعبير عن رؤاه الفلسفية الإنسانية والاجتماعية. فمسرحية أعمدة المجتمع (1877)، وبيت الدمية (1879)، والأشباح، وعدو الشعب (1882) غالباً ما تعد من روائع المسرح الواقعي الأوروبي، فقد أدى نشر هذه المسرحيات وعرضها إلى جعله أكثر الكتاب المسرحيين نقاشاً في أوروبا. أما مسرحيات إبسن الأخيرة فكانت أكثر رمزية، وتهتم على الأغلب بالصراعات بين أشخاص مثاليين والمجتمع من حولهم. وثمة تقصّ مرير لدور الفنان والمثالي في المجتمع يتجلى في مسرحيات عظيمة مثل البطة البرية (1884)، وبيت اّل روزمر (1886)، وهيدا غابلر (1890)، ومعلم بناء (1892)، وجون غابرييل بوركمان (1896)، وآخر مسرحية كتبها إيسن عندما نُبعث نحن الموتى (1899). وفي عام (1900) أصيب إبسن بجلطة دماغية دخل على إثرها في حالة شلل انهارت قواه بعد ذلك وتوفي في العام (1906). غالباً ما يُنظر إلى إبسن على أنه أعظم كاتب مسرحي يظهرفي أوروبا بعد شكسبير، وخلال حياته كانت مسرحياته محل جدل وخلاف لكنه كُرِّم عالمياً بوصفه كاتباً مسرحياً استطاع تغيير اتجاه المسرح في أيامه باتجاه المسرح الواقعي الاجتماعي الحديث الذي أثر في كثير من كُتاب المسرح العالمي أمثال: أنطون تشيخوف (1860- 1904) وأوغست سترندبرغ (1894ـ1912) وجورج برنارد شو (1856 - 1950) وشون أوكيسي (1880-1964) وأرثر ميلر (1915-2005)، وغيرهم. نُقلت مسرحية عدو الشعب إلى العربية من ترجمة إنكليزية قام بها وقدم لها مايكل ميير ضمن مجموعة أعمال إبسن المسرحية التي صدرت بطبعتها الأولى في أربعة مجلدات عن دار مثيون في لندن (1980)، والتي توالت طبعاتها بعد ذلك. احتوى المجلد الثاني منها ثلاث مسرحيات: بيت الدمية وعدو الشعب وهيدا غابلر. ويمكن وصف ترجمة مايكل ميير الإنكليزية بأنها ناجحة مسرحياً، فعباراته لطيفة ومشحونة بالدلالات، وتخاطب أحاسيس النظارة وعقولهم في الآن نفسه، ولا تعمد إلى الوصف والشرح أكثر مما هو ضروري. وفي هذا السياق، يبدي مايكل ميير في مقال له بعنوان في ترجمة المسرحيات (الصادرة في كتاب دراسات القرن العشرين 1974) رأياً مفاده، وهو يقتبس من ت. راتيغن، أنَّ الكلمة المنطوقة أشد وقعاً من الكلمة المكتوبة بخمس مرات على الأقل، أي أن ما يكتبه الروائي في ثلاثين سطراً، يقوله الكاتب المسرحي في خمسة أسطر. ليست المسألة هنا دقة الحسابات، بل ما هو مهم أن الترجمة المسرحية يجب أن تكون دقيقة ولا مغالاة فيها. ومما يجدر ذكره هنا أن المترجمين في العالم الأنجلو أمريكي عموماً حاولوا في أثناء ترجمتهم مسرحيات إبسن إلى الإنكليزية القيام بمهمة تكاد تكون مستحيلة ألا وهي الإيهام أن إبسن كتب مسرحياته أصلاً بالإنكليزية. وقد أشارت أونا إيليس فيرمر إلى هذه المحاولة في مقدمة ترجمتها بعضَ مسرحيات إبسن قائلة: بالفعل لقد حققت مسرحيات إبسن شهرتها العالمية من خلال ترجمتها إلى الإنكليزية (انظر، هنريك إبسن، ثلاث مسرحيات، هارموند سورث، ميدلسكس: كتب بنغوين الكلاسيكية، 1956). كانت الترجمة ولا تزال تمثل المقدرة والكفاءة على الأخذ بيد القراء والمشاهدين والمضي بهم عبر فضاءات لم يكونوا ليجوبوها وحدهم قط؛ وهي التي من شأنها أيضاً أن تمكنهم من اكتشاف أشياء وظواهر في الأدب العالمي ما كان لهم أن يعرفوها على نحو آّخر. لذلك ظلت الترجمات الأدبية المسرحية الناجحة لأعمال إبسن تلقى ترحيباً ورواجاً في جميع بلدان العالم. وقد أدت النجاحات التي أحرزتها مسرحيات إبسن وعروضها وترجماتها في ألمانيا وإنكلترا وأوروبا عموما إلى إسكات المعارضة النقدية التي ثارت ضده في بلاده وإلى تبوُّئه مكانة مرموقة في حركة المسرح العالمي الحديث. تميزت المسرحيات التي كتبها إبسن وعُرضت في السبعينيات والثماينيات على مسارح أوروبية مختلفة بمعالجاتها العميقة الموضوعات الاجتماعية والإنسانية، بأحداثها وشخصياتها وحواراتها ومواقفها وأرضياتها الواقعية البعيدة كل البعد عن الروح الرومانسية التي كانت سائدة في المسرح الأوروبي بعامة منذ بدايات القرن التاسع عشر. كما كانت ردود فعل الجمهور واسعة وعنيفة أحياناً وبخاصة بعد عروض مسرحيتي بيت الدمية والأشباح، إذ قامت الأوساط التقليدية المحافظة بانتقاد هذه المسرحيات بقسوة. وقد أدى ذلك إلى تقوية شعورإبسن بأنه يجب أيضاً الرد على أولئك المنتقدين المحافظين وإحداث هزة في شعورهم بالرضى والقناعة وصوابية أفكارهم. وسَرَعَ حنقه الشديد منهم كتابته المسرحية التالية عدو الشعب التي نُشرت في كوبنهانغن في تشرين الثاني عام (1882). وتتخذ المسرحية موضوعاً لها تلوث فعلي بوصفه رمزاً للمستنفع الأخلاقي الذي غاصت فيه ضمائر الناس في إحدى البلدات في شمال شرق النرويج. تدور أحداث المسرحية حول الدكتور توماس ستوكمان، رب عائلة وطبيب، في بلدة ساحلية صغيرة قرب ينبوع مياه معدنية. وبعد مدة طويلة من التحليل لمياه الينبوع الذي أسسه الدكتور ستوكمان ليكون منتجعاً للزوار من البلدة وخارجها، يكتشف ستوكمان أنها ملوثة وخطرة على صحة كل من يزور المكان. وكان هناك أمل كبير لدى الناس في هذا المشروع بأنه سيكون مصدر شهرة وازدهار للبلدة كلها، ولكن تتكون قناعة عند الدكتور ستوكمان أنه لا يمكن الاستمرار بهذا المشروع على النحو المعمول به، لذلك يرى أنه يجب إغلاقه إلى أن يتم إصلاح الأوضاع الفنية القائمة والابتعاد عن فضلات المدابغ القربية التي تلوث مياه الحمامات. يتلقى الدكتور ستوكمان الاستحسان والمديح في البداية على اكتشافه هذا، ولكن سرعان ما يتبين أن إنجاز الإصلاحات يتطلب الكثير من المال والوقت، ومن ثمَّ يتعذر الموافقة على تصحيح الأوضاع، فتتحول الصحافة والسلطات والناس جميعاً ضده. ويبرز أخوه بيتر ستوكمان بوصفه أقوى معارض له مستخدماً نفوذه بوصفه رئيساً للبلدية وآمراً للشرطة. ويطلب من الدكتور ستوكمان تخفيف مطالبه وبخاصة إغلاق الحمامات، فيرفض ويصر على إطلاع الناس على الحقيقة وأن يكون لهم رأي فيها، ويدعو إلى اجتماع عام كي يعرض القضية عليهم، ويتضح بعد ذلك الرأي القاتل إن الأغلبية الساحقة التي يُمثلها الغوغاء هي دائماً على خطأ وأن الأقلية التي يمثلها المتنورون هي دائماً على صواب. ويقوم الحضور في الاجتماع بمهاجمته بإطلاق تسمية عدو الشعب عليه ويعدونه خطراً على المجتمع ويجبرونه على الخروج من الاجتماع. ويحصد الدكتور ستوكمان وعائلته نتائج مأساوية اجتماعياً وإنسانياً نتيجة لمواقفه؛ إذ يبتعد عنه مرضاه الذين كانوا يزورونه، ويُطرد من وظيفته بوصفه طبيب صحة في المشروع، وتُفصل ابنته بترا من التدريس ويتخلى عنها خطيبها، ويتعرض أطفاله إلى مضايقات في المدرسة، وتفقد العائلة منزلها أيضاً. تتمثل ردة فعل الدكتور ستوكمان الأولى وهو في ذروة الغضب وخيبة الأمل في السفر إلى أمريكا مع عائلته، وحتى هذا الأمر لا يتحقق لأن صديقه القبطان هورستر، قبطان السفينة التي ستقله إلى هناك، يفقد وظيفته بسبب وقوفه إلى جانب ستوكمان. وحين يقذفه الناس بالحجارة، ويكسرون نوافذ منزله، ويشتمونه، ويتعرض إلى محاولات الابتزاز والتهديد، يقرر نهائياً البقاء في البلدة وتكريس نفسه لإنشاء مدرسة يتعلم فيها الأولاد ولاسيما المتشردين منهم كي يصبحوا مواطنين ذوي أفكار حرة قادرين على مواجهة الفساد والكذب والأنانية والدفاع عن الحرية والحقيقة والصالح العام. وفي خضم فشله وهزيمته يردد كلمات المسرحية الأخيرة مؤملاً الاستمرار في المواجهة: إن أقوى رجل في العالم هو من يقاتل وحيداً.... تكاد تخلو مسرحية عدو الشعب من التعقيد والخيال أو الشاعرية أو الرومانسية التي تتميز بها بعض مسرحياته، لكنها عموماً تُعد من أكثر الأعمال واقعية وانتقاداً وإتقاناً وحيوية، إذ تكتسب استمرارية الاهتمام بها من استمرار الشر والفساد الانتهازية والكفاح الدائم من أجل الخير والحقيقة والمصلحة العامة. ولموضوع المسرحية أبعاد إنسانية واجتماعية وسياسية واضحة لأنها تُركز على الجوانب السلبية في بلدة يتحكم في سلوك أهلها الكذب والمصالح الذاتية بغض النظر عما سيجلبه ذلك من نتائج مأسوية على المجتمع. وتسود المسرحية بعد الفصل الأول حتى نهايتها أجواء سوداوية تشاؤمية ما عدا العبارة المتفائلة الأخيرة التي يطلقها الدكتور ستوكمان معبراً عن عزمه على الوقوف في وجه السلطات الفاسدة في بلدته. إن مسرحية عدو الشعب حافلة بالسخرية والتهكم لأنها مبنية على التباين بين الأخوين ستوكمان: توماس المنفتح بطبيعته الذي يلتف من حوله الأذكياء المتعلمون والعاملون المجدون، وبيتر الرصين الوقور المحافظ الذي لا يرتاح أبداً إلى رفقة الناس المتحررين، والذي يمثل العالم القائم على الأعراف والنظام. يسعى الدكتور ستوكمان أن يُدخل أفكاراً جديدة وإصلاحات من أجل فائدة المجتمع، بينما يظهر رئيس البلدية بوصفه شخصية واعية تماماً لمركزها وقوتها، في حين يبدو الدكتور ستوكمان أنه يعي واجبه بوصفه مواطناً صالحاً فحسب. وتتسم شخصية الدكتور بالشجاعة والنبل وتحدي الغوغاء التي لا يرى فيها إلا جماعة من الجبناء، بينما تتصف شخصية رئيس البلدية في كونه لاعباً ذكياً يستطيع تضليل الناس وجعلهم يقفون إلى جانبه. وتكمن السخرية الرئيسة في المسرحية في أن شخصاً خيراً مثل ستوكمان يُعامل على أنه عدوٌّ للشعب، بينما يسعى حثيثاً من أجل أن يَعرض الأوضاع المزرية في الحمامات ويصححها كي لا يسقط الناس مرضى وضحايا للتلوث، ونتيجة لجهوده يُحارب بوصفه عدواً للشعب، بينما يُعدّ رئيس البلدية بطلاً نظراً لسعيه للمصلحة الشخصية ولإخماده الحقيقة. كان هنريك إبسن أول كاتب مسرحي كبير يعالج مآسي الناس العاديين الذين يعيشون ظروفاً اعتيادية، مستخدماً في ذلك لغة الحياة اليومية في حوارات الشخصيات، بالمقارنة مع المسرحيات المأساوية السابقة التي اختصت بحيوات الملوك وشؤونهم وبلغة شعرية منمقة عالية. أما موضوعات المسرحيات الضاحكة أو الهزلية فكانت تدور في أيامه حول أبناء الطبقات الوسطى أو الدنيا. ما قام به إبسن هو تنقية حبكات مسرحياته من العنصر الضاحك إلى حد كبير، مبتعداً عن ممارسات المسرح السابق له الذي استند إلى تقنيات اصطناعية: فمسرحياته تخلو من المناجاة أو أحاديث تُسمع مصادفة أو اتفاقاً أو استراق السمع، أو رسائل مُعتَرَضة أو ارتداء أقنعة. كما قام عموماً بضغط عدد فصول المسرحية الكلاسيكية من خمسة إلى ثلاثة أو أربعة فصول. كما أن نثره المسرحي غالباً ما يُعد من أفضل ما كُتب في ميدان النثر الإبداعي. فكثيراً ما جعل شخصياته تتحدث بصورة طبيعية، مع اختلاف في مستوى كل شخصية مثلها مثل شخصيات الروايات العظيمة. كما يتجلى عمقها الإنساني وتعقيدها النفسي من خلال تلك الأحاديث التي تتجرد من الزيادات في الكلام وتقتصد في تعابيرها عن الأفكار. وقد أثر ذلك على نحو واضح في طريقة التمثيل وجَعَلها أكثر واقعية وبعداً عن الرومانسية والمواقف المصطنعة. كما يتطلب عمق الشخصيات وتعقيدها من الممثلين التأني والتحليل أكثر، والغوص في أعماق الشخصيات وحساسياتها وقد جعلت واقعيته الممثلين يستندون إلى معرفتهم الحياتية في أثناء تمثيلهم الشخصيات أكثر من قيامهم بالاستحواذ على إعجاب الجمهور من خلال أقوال بالغة التكلف، أو دموع وعواطف مفتعلة، أو انفعالات صارخة، أو غيرها من المهارات الفنية. بعد مسرحية بيت الدمية عام (1879) ومسرحية الأشباح عام (1881) اللتين هاجم فيهما قيم المجتمع البرجوازي المحترم المحافظ وعلى رأسها النفاق والأنانية والكذب، تابع إبسن نقده هذا المجتمع في مسرحية عدو الشعب عام (1882) مؤكداً أن الأغلبية عادة ما تكون على خطأ وأن الأقلية دائماً على صواب عبر رفضه المطلق الإصلاح المنفرد واهتمامه بموضوع الحرية: حرية الفرد الكاملة أن يكون صادقاً مع نفسه وأن يقول الحقيقة كاملة. وقد كانت مهمته توضيح ذلك عبر تصويره الشخصيات الإنسانية، وفي طليعة هذه الشخصيات شخصية الدكتور ستوكمان. على مايبدو أن إبسن قد وجد عزاءً في شخصية هذا المتمرد الوحيد، فقد صرح مرة في رسالة إلى جورج برانديس أن: الأغلبية، الجمهور، الغوغاء، لا يمكنها إدراكه، لذلك لا يمكنه أن يحصل على الأغلبية إلى جانبه... في النقطة التي أقف عندها حين أكتب أياً من كتبي، تقف الآن الأغلبية الساحقة في معظمها، لكنني أنا نفسي الآن لاأقف عند هذه النقطة، أنا في مكان آخر، آمل، أن يكون متقدماً أكثر. صحيح أن الدكتور ستوكمان ينتهي إلى هزيمة شنيعة، لكنه يرفض أن ينسحب من المعركة مع ما يسمى رأي الجمهور أو الغالبية الساحقة أو ما شابه ذلك من التعابير الشيطانية... فأنا أريد أن أسوق إلى أذهان أولئك الغوغاء أن الليبراليين هم أخبث الأعداء الذين ينبغي على الناس الأحرار أن يواجهوهم، وأن البرامج الحزبية تقصم ظهور الشباب والحقائق الحية جميعها، إن الاعتبارات العملية تقلب العدالة والأخلاق رأساً على عقب، فيصبح العيش في الحياة ببساطة لا يطاق. يخسر الدكتور ستوكمانالمعركة من أجل ينابيع المياه، لكن معركته ضد الكذب والنفاق تستمر. كُتبت مسرحيات إبسن بداية باللغة النرويجية، ثم أخذت تظهر ترجماتها إلى اللغات الأوروبية تباعاً. وقد أسهمت الترجمات الإنكليزية والدراسات النقدية المسرحية المكتوبة بالإنكليزية في انتشار إبسن في العالم الآنجلو ـ أمريكي وفي بلدان كثيرة. ويمكن النظر في ثبت مراجع أية دراسة حول مسرحيات إبسن كي تُظهر حجم الاحتفاء النقدي بمسرحياته حتى في أيامنا هذه، كما يمكننا أيضاً النظر في آراء نقاده من المعاصرين له ممن أبدوا آراءهم حول مسرحياته وبخاصّة مسرحية عدو الشعب. كتب إدموند غوس عام 1882 معلقاً على الشخصية الرئيسة في المسرحية: إن بطل مسرحية عدو الشعب هو على نحو ما هنريك إبسن نفسه في الحياة العملية، هو ناقد مكروه؛ لأنه يقول الحقيقة الواضحة لآذان لا ترغب في سماعها... فيُتهم بصوت عال بأنه عدو للشعب، ويُقاطع، ويُرجم بالحجارة، ويُقاد خارج البلد، لمجرد قوله بصوت مرتفع ما يقتنع كل شخص بداخله على أنه الحقيقة. الرمز واضح وشفيف، والمسرحية هي حقيقة قطعة من الجدال الشخصي العنيف. والقصة يمكن أن تكون موضوعاً لرواية ماتعة، لذلك تتحمل المعالجة المسرحية بصعوبة. على أية حال، يبقى هذا العمل إلى حد بعيد صحيحاً مسرحياً من جهة عدم وجود علاقة شخصية بين الدكتور ستوكمان وإبسن نفسه، أو حتى إنه قد لا يكون متحدثاً باسم إبسن وأفكاره، بل هو تمثيل لنموذج أو لمزاج معين، لكنه من النوع الواضح والمنسجم تماماً. إنه متطرف وبصورة حادة مع أن التطرف هو أمر مكروه بالنسبة إليه مثله مثل أي شكل من أشكال الخداع السياسي. وقواعد السلوك الوحيدة التي يعترف بها هي الصدق الكامل ومهما كان الثمن، والاعتماد على الذات الفردية مهما تعرضت للأذى. وطبقاً لهذا الكلام، بينما يُجمع النقد المسرحي الإسكندنافي على الاعتقاد أن مسرحية عدو الشعب ليست في طليعة الأعمال المسرحية التي كتبها إبسن، فيمكن أن نقول إنَّ شخصية الدكتور ستوكمان هي من أكثر الشخصيات أصالة، وبالنسبة إلي من أكثر الشخصيات تميزاً، ضمن إبداعات إبسن المسرحية، ثمة تشابهات كثيرة بينه وبين الكونت ليو تولستوي، سواء أكان إبسن يعرف شيئاً أم لا عن الحياة الخاصة أو عن شخصية الأديب الروسي الكبير حتى العام 1882 لا أدري. في مسرحية عدو الشعب بدت الروح الطبيعية عند الشاعر وكأنها تعزز من موجة المثالية الغاضبة العالية لديه. لقد صرح بأن الأكثرية مُدَجنة وجبانة ومنافقة، وهذا صحيح، لكنه وعد بأن الرجل الخير، حتى وإن كان وحيداً، يجد في مبدئه مكافأة له، ويشعر بالانتصار مثله مثل أبناء النور... كما أبدى ويليام آرتشر رأيه حول المسرحية في العام نفسه قائلاً: (( لقد حاول الشاعر في هذه المسرحية بعناء تجنب أي تأثير للإثارة المسرحية، بيد أن الفكرة برمتها وكثيراً من المشاهد المنفردة مؤثرة بقوة، لكن الحالات المثيرة في مسرحيات مثل أعمدة المجتمع و بيت الدمية هي غائبة كلياً. ففي الأوضاع المضحكة الكثيرة، كما في حالات أخرى، تشبه هذه المسرحية مسرحية رابطة الشباب أكثر من المسرحيات التي كتبها سابقاً. فحواراتها تامة ـ لا يوجد كلمة واحدة تلقى جزافاً، ولا يوجد كلام متألق بصورة غير مناسبة، ولا يوجد كلمة واحدة مملة. وكل شخصية متفردة على نحو واضح، لذلك ستأخذ شخصية الدكتور ستوكمان مكانها اللائق يوماً ما ضمن مجموع الشخصيات التي أبدعها إبسن والتي من الممكن أن نتعاطف معها. ليس هناك في سائر مسرحياته مثل التقنية الدقيقة التي استخدمها في هذه المسرحية، حيث تلتحم الشخصية والحدث بصورة أكثر جدية. لعل بعضنا يرغب أن يعود الشاعر إلى طريقته المسرحية القديمة ويقدم لنا مسرحيات خيالية رائعة شعراً، لكنه طالما يقدم لنا مسرحيات مثل عدو الشعب، لا يوجد سبب وجيه يجعلنا نأسف لاستخدامه النثر والواقعية....)) وقد كتب إي . أ . بوغان عام 1905 حول إبسن ومسرحيته: من المعروف أن إبسن كتب عدو الشعب على أنها جواب على النقد العدائي الذي وُجه إلى مسرحية الأشباح، وليس على نحو أولي كإسهام في نقاش يدور حول الأخلاق الاجتماعية والخاصة بأعمال البلدية... . بالنسبة إلى محب المسرح العادي ليست المشكلات الاجتماعية المثارة في هذه المسرحية المفعمة بالحركة والمشاعر هي النقاط المهمة. إن هدف المسرحيات كلها هو السؤال الآتي: هل نجح الكاتب المسرحي في الحفاظ على تسلسل انتباه النظارة وتحريك مشاعرهم؟ قد توافق الدكتور ستوكمان على أن الفردية هي الموقف المطلوب أن يتخذه الرجل القوي، وأن الأقلية هي دائماً على صواب، أو أن الأغلبية الساحقة، حسب قول كارليل، هي بالتأكيد على خطأ، وقد تناقش مسألة إذا كان الواجب الأول للإنسان هو تجاه عائلته أو تجاه العائلة الأكبر أي مجتمعه الذي يعيش فيه، لكن حيوية هذه المسرحية لا تكمن في الأفكار التي تعبر عنها أو تقترحها. الكراسة الدينية أو السياسية لا تشكل مسرحاً. إني أترك الإجابة عن هذه الأسئلة كلها إلى أقلام أكثر قدرة من قلمي. وجل ما أبغي معالجته هنا كثافة المسرحية التي مكنت إبسن من بنائها من المادة المتوافرة لديه. أعتقد هنا أن الجميع يوافق على أن المسرحية قوية، وأنها تحرك الكثير على نحو أصيل، إن مشهد رجل قوي وجريء يتحدى جيشاً من الجبناء أخلاقياً لابد أن يكون محركاً دائماً. وتمتاز هذه المسرحية بأنه ليس فيها وعظ. فالشخصيات هي شخصيات في مسرحية وليست تجريدات فحسب أو دمى تتحرك في كراسة الكاتب المسرحي الصغيرة.... وقد كتب الممثل والمخرج المسرحي الشهير كونستانتين ستانسلافسكي (1863-1938) والمؤسس المشارك لمسرح موسكو الفني، عن مسرحية عدو الشعب في مقال بعنوان نظام الفن الخلاق وطرائقه نشره ديفيد ماغارشاك في كتاب حرره ونشره تحت عنوان: (ستانسلافسكي حول فن المسرح) عام 1950: حين كنت أعمل على دور ستوكمان، كان حب ستوكمان وتوقه للحقيقة الأمر الذي أثار اهتمامي بالمسرحية وبدوري فيها. لقد كان الحدس، والغريزة، ما جعلاني أفهم الطبيعة الداخلية لشخصية إبسن، بكل خصوصياتها، وطفولتها، وقصر نظرها، فهي التي ألقت الضوء على العمى الداخلي عند ستوكمان حيال نقائص البشر، وعلى موقفه الحميم تجاه زوجه وأطفاله، وعلى حبوره وحيويته. لقد وقعت تحت سحر شخصية ستوكمان، الذي يجعل كل أولئك الذي يحتكون به ويتعرفون إليه أناساً أفضل وأنقى ويظهر الجوانب الأفضل من طبائعهم في أثناء حضوره. لقد كان حدسي الذي أوحى إلي بمظهر ستوكمان الخارجي، المتكوِّن بصورة طبيعية من عمق هذا الإنسان: فقد اتحد جسد الواحد وروحه بالآخر عضوياً، ستوكمان وستانسلافسكي. وبمجرد أن نظرت في أفكار ستوكمان وهمومه، تبدى أمامي قصر نظره من تلقاء نفسه، رأيت انحناءة جسمه نحو الأمام ومشيته السريعة. رأيت الأصبعين الأول والثاني مشدودين إلى الأمام عفوياً وكأنهما يرميان للكبس على مشاعري وكلماتي وأفكاري لتنطلق باتجاه روح ذلك الإنسان نفسه الذي أتحدث إليه. وقد كتب هارولد كلارمان في كتابه إبسن (لندن: ماكميلان، 1977) حول شخصية ستوكمان في خاتمة نقاشه المسرحية: إن هزيمة الشخصيات العظيمة مؤقتة، فهم يحرزون النصر بعد سنين من النضال الشاق. ويبقى ستوكمان على الرغم من ذلك متفائلاً حتى النهاية. إنهم الشباب كما يتصورهم هو، عبر أطفاله وخصوصاً ابنته بترا التي تتلفظ بالوقائع الحقيقية، والتي تقول، (في البيت يقولون لنا لا تتكلموا اضبطوا ألسنتكم، وفي المدرسة نعلم الأولاد الكذب)، إنها هي التي تربح اللحظة (ربما لحظة واحدة) ولكن بالنسبة إلى عائلة ستوكمان فهي تربح العالم كله. لقد كتب مرة الكاتب الكلاسيكي الهادئ بول فاليري: إن المتطرفين يعطون العالم قيماً، والناس العاديون يجعلونه يستمر، أما الثوريون فيجعلونه جديراً بالعيش، والمعتدلون يجعلونه مستقراً. إن ستوكمان متطرف أو أنه يصبح كذلك مثل إبسن كما يظهر في هذه المسرحية. بيد أن هذا العالم يجب أن يحتوي على متطرفين إذا كان على مجتمعاتنا ألا تفسد أو تذوي إلى التسطح أو العدم. لقد قيل إنَّ إبسن بعد مسرحية عدو الشعب أخذ بالتراجع في حربه الاجتماعية. ولكن من باستطاعته أن يؤكد ذلك تماماً. فردّاً على هذا الاتهام بأنه انسحب سريعاً من مواقفه التي اتخذها سابقاً، يبدو كما لو أنه قد أطلق تصريحه مثل والت ويتمان (هل أناقض بذلك نفسي؟ حسناً، أنا أناقض نفسي!). د. فؤاد عبد المطلب
تفاصيل كتاب عدو الشعب.pdf
للمؤلف: هنـريـــك إبســــن
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 1
مرات الارسال: 30
عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T
عرض جميع الكتب للمؤلف: هنـريـــك إبســــن