حقيقة.!

قيل لأرسطو: كيف تحكم على إنسان ؟ فأجاب: أسأله كم كتابا يقرأ وماذا يقرأ ؟.

دسـتور الأثينيـين.pdf

منابـع الفكـر وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح عندما أدرك العرب أن المعرفة متعددة المشارب متنوّعة الروافد، وأن الحضارة تراكمية لا تكتفي بذاتها ولا تغتني بتقوقعها، ولا يبنى صرحُها بحجارة من لون واحد... عندما أدركوا أهمية ما أنتجته شعوب تميّزت قبلهم من علوم وفنون وفكر وآداب، تحرّكوا بفضول نهم للكشف عن كنوز المعرفة الدفينة، فانكبوا على ترجمة المخطوطات النادرة من السريانية واليونانية واللاتينية والفارسية في مشروع منظّم محدّد الأهداف واضح المقاصد دقيق المعالم سليم الأدوات، هُيّئت له سبل النجاح كافة، فجيء بأهم المخطوطات في مختلف العلوم، واستقدم فحول المترجمين عن السريانية واليونانية والفارسية، فكان أن ترجموا عن الإغريق أعظم مؤلفاتهم وتعرّفوا من خلالها على عاداتهم وأخلاقهم وسنن حياتهم في الحرب والسياسة وشؤون الحياة كافة، فأضافوا أهمّ لبنة إلى صرح حضارتهم التي هضمت تلك المعارف وطوّرتها لتفيد منها الحضارة الإنسانية برّمتها. ولعلّ هذا المشروع التنويري الفريد من نوعه في التاريخ هو الذي جعل من عصر المأمون العصر الذهبي للدولة الإسلامية التي امتد نفوذها من بغداد إلى الأندلس، وجعل من دار الحكمة أول جامعة حقيقية في التاريخ. من أواخر القرن التاسع وحتى القرن الثالث عشر، كانت الترجمة نبعاً رقراقاً غذّت بمياهها الدافقة شرايين الحضارة العربية، وأسست لفكر ملتزم بالمنهجية العلمية القائمة على المحاكمة والبرهان. بدأت حركة الترجمة بأن استدعى أبو جعفر المنصور طبيباً فارسياً من جنديسابور هو جورجيس بن بختيشوغ، وكان رئيساً لأول بيمارستان ومدرسة للطب في التاريخ بالمعنى المعروف آنذاك. وعندما وصل بن يختيشوغ بغداد مع طاقمه كاملاً، بدأت أولى مراحل حركة الترجمة، التي تطورت فيما بعد إلى تأسيس بيت الحكمة. وما خزانة الحكمة إلا النواة الأولى التي أسسها الخليفة العباسي هارون الرشيد، وهي خزانة لمخطوطات يونانية في الطب والفلسفة والكيمياء المترجمة إلى السريانية، ومخطوطات في علوم الهندسة والحركات والموسيقى والفلك أو علم النجوم مما حمله الرشيد معه من سائر بلاد الروم أثناء حملاته على مدن آسيا الصغرى كأنقرة وعمورية. وتولى النسطوري يوحنا بن ماسويه مهمة ترجمتها، إلى جانب الطبيب جورجيس بن يختيشوغ ثم أولاده؛ ولاحقاً طبيب المأمون العالم والمترجم حنين بن اسحق أبو زيد بن إسحق العبادي. الذي تولى رئاسة بيت الحكمة، فتحوّل بفضله إلى أشبه بدار نشر حديثة تتولى أمور الترجمة والتأليف والنسخ. وقد ترجم ابن إسحق كتاباً في الأدوية هو المادة الطبية Materia medicaلديسقوريدس Discoridesكان له أثر مهم في علوم الصيدلة العربية، كما ترجم وألّف أكثر من مائة مخطوطة أهمها (الأسئلة الطبية) Quetions Medicinaeوهو كتاب وضع على شكل أسئلة وأجوبة. مما جعل المستشرقين المنصفين أمثال المستشرق الفرنسي لاكلارك يعدّ حنين بن إسحق أعظم شخصية علمية ظهرت في القرن التاسع الميلادي. لا شك في أن ترجمة المخطوطات العلمية كان بداية انطلاق الإبداع العربي في شتى ميادين العلوم كالطب والصيدلة والكيمياء والرياضيات والهندسة والفلك. ولا يقلّ أهمية عنها ترجمة المخطوطات الفلسفية التي طوّرت الفكر وسلّحته بمنهجية النقد العقلاني، فانتشرت المناظرات العقلية والمجادلات التي أدّت إلى تحوّل العقل العربي في اتجاه المنطق الحرّ. وعلى خطا الأولين، وللعودة لأحد أهم منابع الفكر الفلسفي، ارتأت الهيئة العامة للكتاب، ضمن الخطة الوطنية للترجمة التي أطلقتها وزارة الثقافة في آذار 2013، أن تعيد طباعة مجموعة من أعظم كتب الفلسفة اليونانية التي تصدّت وزارة الثقافة لترجمتها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولعلّ درّتها دستور الأثينيين للمعلّم أرسطو، والثئيتيتوس لأفلاطون، قام بتعريبهما بلغة سلسة أنيقة علم من أعلام العربية لغةً وفكراً، وأحد رواد نهضتها المتأخرين، الأب فؤاد جرجي بربارة. إن إعادة طباعة بعض من هذه الروائع إنما هو اعتراف بفضل من سبقنا إلى ترجمتها ضمن مشروع ترجمة رائد بالغ الأهمية، وهو تنويه بالقيمة المعرفية لتلك المؤلفات، خاصة في الأزمنة الصعبة، عندما تعصف المحن بالشعوب. فتهتزّ القيم، وتختل موازين الفكر، وتغيم المفاهيم، وتحجُبُ سحبُ الشك شمسَ الحقيقة. نعيش في عصر انتفت فيه الحدود، وتدافعت الأفكار، وتوالدت المفاهيم والمصطلحات وتداخلت إلى حد الإبهام، فضاعت في ضبابية غير بريئة أحياناً، حتى غُرِّبَ الظاهر عن الجوهر، وبات الدّال مجافياً للمدلول، والمعاني مناقضة للألفاظ، والشعار يُخفي نقيضه، والحقيقة في مهبّ رياح النفعية. فما أحوجنا للعودة إلى منابع الفكر الفلسفي وانتهاج نهج المعلّم الأول أرسطو في حمل النفس على سبر أغوارها واكتشاف الحقيقة الكامنة فيها، وصولاً للخصب الفكري القائم على المحاكمة والبرهان، والجمال الأزلي في تلاقي الأضداد وتناغمها، والخلاص بالعلم الذي يُنضِجُ العقولَ وينيرُها بضياء الحكمة، لتشقَّ حُجُبَ الظلام، وتسْلَمَ من السقوط في مهاوي الجهالة. يعلّمنا أفلاطون في حواريات سقراط أن الخير في الحركة، وأن الموت في السكون والجمود والثبات على القديم. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال التنكر للماضي واحتقاره ومناصبته العداء، بل قراءته قراءة نقدية واستجلاء مواطن القوة فيه للبناء عليها، ومواطن الضعف لتحليلها وتبيان أسبابها لتفاديها. ويزيد أفلاطون فيقول على لسان معلّمه: للحركة قوة الفعل كما أن لها قوة الانفعال، ومن احتكاك النقيضين يولد المحسوس والإحساس بتنوّع صنوفهما وألوانهما. لعلّنا، عند قراءتنا لفلسفة الإغريق، نمعن الفكر في ذاك الاعتراف بمشروعية الاختلاف وسلامة التباين، لا بل بحتمية هذا الاختلاف وضرورة التمايز كدليل وجود وتأكيد كيان، وما التطابق إلا انصهار في الآخر وغياب فيه. وها هو سقراط ينطق بحكمة لو استوعبتها الأذهان وتمثّلتها القلوب، لسَكنَ السلامُ النفوس، وانتفت العصبيات، وزال الغبن والإقصاء، وغاب التنافر والتناحر. يقول المعلّم العظيم حامل السراج المنير لسبيل الحقيقة الكامنة في النفوس: لو كان ما نقيس به ذاتنا أو ما نلامسه كبيراً أو أبيض أو حاراً، ووقع هو نفسه على آخر دون أن يتحوّل، لما أمسى هذا الآخر آخراً. حق الاختلاف هذا ومشروعيته الطبيعية، لا بل وحتميته، هي أساس فكر الحوار الإنساني المحصِّن ضد الخلاف والتنافر والانزلاق إلى الفتن، المؤدي إلى سبل التسامح والتوافق والتلاقي وتقبّل الآخر وإنصافه. مقدمة الهيئة السورية العامة للكتاب بعد أن فُقد هذا الكتاب مدّة عشرة قرون، أعلن المتحف البريطاني العثور على برديّة مصرية له عام 1879. وكان المخطوط بحالة يرثى لها، ولكن نصه مقروء. ونُسب فوراً لأرسطو (399- 332). بيد أن بعضهم شكك في ذلك. ولكن العالم الألماني M. Bergkأثبت أن مؤلفه هو أرسطو ذاته، وأن كتابة المخطوط تعود إلى العام الحادي عشر من استلام الامبراطور الرومانيVespasienزمام الحكم في روما، أي عام 70 بعد الميلاد. وذكر المؤرخون القدامى أن نص -دستور الأثينيين- كان معروفاً حتى القرن الخامس للميلاد، وفُقد أثره نهائياً في القرن التاسع. وأشاد به شيشرون Ciceron (106-43) في الباب الخامس من -كتاب الخيرات والشرور-قائلاً: -إن الأخلاق والعادات والسنن في معظم المدن الإغريقية والمدن البربرية قد وصفها أرسطو-. وحذا حذو شيشرون كل من افلوطرخوس Plutarque(46-125) وذيوجين لائيرس Diogéne Laërce(القرن الثالث بعد الميلاد) وهاربوكراتيون Harpocration(القرن الرابع) وعالم البلاغة سوباتر Sopater(القرن الخامس) وبطريرك القسطنطينية فوتيوس Photius(820-895)، ممن ذكروا أنهم درسوا سنن أرسطو وسياساته. وذكر أرسطو نفسه في كتاب -الأخلاق إلى نِكوماخوس- -أننا، حسب السنن التي جمعناها، سنرى ما هي المبادئ التي تبقي على الدول بعامة أو تُهلكها-. وصار من الثابت الآن أن النص غير منحول وأن أرسطو هو الذي ألّفه، وأنه يُكمل كتاب -السياسات-. ولا شك أن اهتمام أرسطو بالشأن العـام (res publica)وبالسياسة يعود إلى قبوله بأن يكون مدبّراً ومرشداً ومعلماً للإسكندر الأكبر قبل استلامه مقاليد الحكم في مكدونيا ومن ثم في أثينا التي منها انطلقت فتوحاته لتشمل بلدان المشرق ومصر و فارس. وأكبّ الأب أوغسطينوس (فؤاد) بربارة على ترجمة أعمال أفلاطون وأرسطو؛ وهو خير من قام بها عن أصلها اليوناني في العالم العربي برمّته، لتبحّره في اللغة الإغريقية وطول باعه في فلسفة اليونانيين وآدابهم وفنونهم ومعتقداتهم. ويعود الفضل للأستاد الكبير أنطون مقدسي، الذي كان مسؤولاً عن مديرية التأليف والترجمة في وزارة الثقافة في دمشق لسنوات طويلة، أنه اكتشف موهبة الأب بربارة وثقافته الإغريقية العميقة، فكلّفه بترجمة عدد من مؤلفات أفلاطون وأرسطو. واقتفت أثره -اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانية - الأونسكو- التي كلفته بترجمة -السياسيات- و-دستور الأثينيين- لأرسطو. وتوخياً الحفاظ على هذه الكنوز التي صدرت في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، قررت الهيئة السورية العامة للكتاب، بتشجيع من السيدة الوزيرة د. لبانة مشوّح، أن تعيد نشر هذه المتَرْجمات التي نفذت نسخها من مستودعات الوزارة ومكتبات البيع. فاتصلتْ بورثة المرحوم الأب بربارة وحصلتْ منهم على حقوق النشر. لقد أتت ترجمة -دستور الأثينيين-بلغة عربية محكمة وناصعة وأنيقة؛ والأب بربارة، في هذا الصدد، معلم كبير في اللغات اليونانية واللاتينية والعربية والفرنسية، وينتمي إلى رعيل مثقفي عصر النهضة في بلاد الشام، مع أنه أتى بعدهم. وأضاف إلى النص الأرسطي عدداً كبيراً من التعليقات والشروح، التي ينقلنا بعضها من القرن الرابع قبل الميلاد إلى النصف الثاني من القرن العشرين، والتي تميزت بسعة اطلاعه على الحضارة اليونانية. فيقول في الفصل التاسع من الدستور - وهو بعنوان -سلطات الأمن ورقابة الأسواق-: -الستاذيا جمع آستاذِيَـُن، وهو مقياس للأطوال يعادل 177.6 متراً. فكان يفرض على الزبالين أن يطرحوا الأقذار على مسافة كيلومترين تقريباً من المدينة، الأمر الذي لا يطبّق اليوم في كثير من المدن!.... حتى في مدينة بيروت ودمشق وحلب، حيث تحرق الأقذار في قلب المدينة، فتصبح بعض أحيائها كريهة يأنف المرء العيش فيها، على جمال تلك المدن-. لقد آثر الأب بربارة نقل الكلمات وأسماء العلم اليونانية إلى العربية بلفظها اليوناني الأصيل. وقد تسبب هذه الطريقة الآن صعوبة في قراءة هذه الكلمات والأسماء، بعد شيوع اللفظ التقريبي لها أو اللفظ المتأثر باللغتين الفرنسية والإنكليزية. وهذا يدل على هاجس الدقة والأمانة لديه وحرصه على اعتبار الانسانيات (les humanités)من التراث المعرفي والعلمي الأصيل، لاسيما حول ضفتي البحر الأبيض المتوسط. إن تراث اليونان الذي نقل العرب جانباً كبيراً منه، إبان العصر العباسي بخاصة، يبقى حجر الزاوية في الثقافة الإنسانية، على مدى التاريخ. وهذا ما نادى به طه حسين في كتاب -مستقبل الثقافة في مصر- (1938). يُسعد الهيئة السورية العامة للكتاب أن تقدم هذه الإغريقيات للقارئ العربي المستنير، لأنها الصرح الذي أسس للثقافة الإنسانية برمتها. دمشق في 19/5/2013 د. جمال شحيّد

دسـتور الأثينيـين.pdf

تفاصيل كتاب دسـتور الأثينيـين.pdf

التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 1
مرات الارسال: 26

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: