حقيقة.!

خير مكان في الدنيا سرج سابح وخير جليس في كل مكان كتاب.

النقـــد عنــد ابن أبي الإصبع المصري.pdf

للمؤلف: د. حمود حسين يونس
إن المتأمل للواقع النقدي الحديث والمعاصر يحس إحساساً عميقاً بالأزمة التي يعانيها هذا النقد، شأنه في ذلك شأن الأنماط المعرفية والثقافية الأخرى في حياتنا المعاصرة، التي تجعلنا ننشطر إزاءها شطرين، ونتوزع في اتجاهين اثنين : الأول: يتمثل في الإعجاب المطلق بما أنتجته الحضارة الغربية, وما وصلت إليه على المستويات كافة ومنها النقدية، وهو إعجاب مبالغ فيه في معظم الأحيان، ويكاد يصل عند كثيرين منا إلى درجة الاستلاب وضياع الهوية، والذوبان في الآخر، ومن ثم الشعور بخيبة الأمل، أمام واقعنا النقدي المعاصر المأزوم، ومحاولة استيراد هذا المنجز النقدي الغربي بعجره وبجره عن طريق الترجمات، أومن خلال الدراسة في الغرب، ونقل النظريات الغربية عبر تبنيها من قبل بعض الدارسين إلى المتلقي العربي، حتى لكأنها مسلمات لا تقبل النقاش، أو بديهيات لا تحتاج إلى برهان, فهي السبيل الأمثل والأفضل لدراسة أدبنا العربي قديمه وحديثه. وأما الاتجاه الثاني: فهو لا يقف على النقيض مع الاتجاه الأول كما قد يبدو لبعض المثقفين والدارسين، ولا ينبغي له أن يكون كذلك، وهو الاتجاه الذي حاول الإفادة مما خلفته الأمة من تراث معرفي، والعودة إلى ما أنتجته قرائح القدماء عامة, والنقاد خاصة للوقوف عندها، ولم يخل هذا الاتجاه من بعض الإفراط أيضاً, وغلو بعض الباحثين فيه, ولاسيما عندما حمّلوا ذلك التراث أكثر مما يحتمل، ونظروا إليه نظرة تحمل في ثناياها الكثير من ملامح القداسة، حتى لكأنه لم يترك شاردة ولا واردة إلا أحصاها وأتى عليها، ولم يبق للناقد المعاصر إلا أن يستلهم من ذلك الماضي، ويأخذ منه ما شاء له الأخذ، فهو المعين الذي لا ينضب، والنبع الذي لا يجف ماؤه. ولو دققنا النظر في هذين الاتجاهين، وفي الأبحاث والدراسات النقدية التي نتجت عنهما، لوجدنا أن ثمة برزخاً مشتركاً بينهما, يتجلى في إحساس الناقد المعاصر بالعجز الحاضر، وقصور المرحلة الراهنة, أمام غرب سابق, وتراث متفوق, ولهذا فهو بين واحد من أمرين لا ثالث لهما، فإما أن يستورد من الغرب، وإما أن يرجع إلى الأصول . وعلى الرغم من أهمية هذين الاتجاهين, وضرورة وجودهما معاً في حياتنا النقدية، إلا أن الخطورة تكمن في تغليب أحدهما على الآخر، أو التعصب المفرط لهذا دون ذاك، تحت ذرائع وشعارات ومزاعم لا تستند في معظمها إلى أسس علمية صحيحة, فضلاً عن أن تأجيج مثل هذا الصراع على الساحة النقدية لا يمكن أن يؤدي إلى بناء نظرية نقدية عربية حديثة، وذلك لأن بناء مثل هذه النظرية لا يمكن أن ينشأ في الفراغ، أو يحدث في الهواء الطلق, أو يعتمد على جملة من التهويمات والأمنيات، بل لابد له من أن يخضع إلى مجموعة من الشروط الموضوعية التي ينبغي اللجوء إليها، في سبيل الوصول إلى النظرية الهدف، ولعل من أهم هذه الشروط هو النظرة التكاملية لذينك الاتجاهين اللذين أشرت إليهما, والدعوة إلى التوفيق بينهما, وتلاقيهما بدلاً من افتراقهما, وتكاملهما عوضا عن تنافرهما أو تضادهما، وهذا يعني بداهةً أن نفيد مما وصلت إليه النظرية النقدية الغربية, واستيراد ما يعزز رؤيتنا وطرائق تفكيرنا في قراءة أدبنا القديم والحديث من جهة, والعودة إلى تراثنا النقدي, الذي لا أعتقد أن يشك في غناه إلا معاند أو جاحد، للبحث في مظانه, واستلهام دروسه وعبره, والوقوف على ما أنتجته قرائح القدماء, و تمثّل إبداعاتهم، وفهم أنماط تلقيهم للنص الأدبي, و طرائقهم في درسه، ليكون ذلك بمثابة الأساس الراسخ والمتين الذي يعتمد عليه نقادنا المعاصرون لبناء نظريتهم النقدية التي تجمع الحسنين معاً من جهة أخرى. وانطلاقاً من إيماني بغنى التراث النقدي العربي وإبداعات نقادنا القدماء، فإنني أقدم هذه الدراسة المتواضعة، التي خصصتها للحديث عن النقد عند علم من أعلام النقد والبلاغة في القرن السابع الهجري, هو ابن أبي الأصبع المصري (654هـ ) الذي كان إلى جانب نقاد آخرين كضياء الدين بن الأثير (637هـ ) صاحب كتاب -المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر- وحازم القرطاجني (684هـ) صاحب كتاب -منهاج البلغاء وسراج الأدباء-، من أبرز نقاد القرن السابع. وثمة أسباب كثيرة شدتني للحديث عن هذا الناقد, وكانت سبباً في اختياري له, ليشكل موضوع هذا الكتاب ولبابه, منها أولاً: تأخره الزمني نسبياً، وذلك لأن معظم الباحثين في ميدان النقد القديم, يتجهون إلى أعلام وموضوعات تتصل بفترات ازدهار النقد القديم, ولاسيما في القرون الثالث والرابع والخامس للهجرة، وقلما يغادرون هذه القرون إلا قليلاً، ظناً منهم أن النقد قد توقف، وأن القرائح لم تعد تجود كما في تلك القرون، ولكن الباحث المتأني, والدارس المدقق, سيجد أن الحركة النقدية لم تتوقف بانتهاء القرن الخامس الهجري, بل استمرت قوية في القرون اللاحقة, وتابعت ألقها وتفوقها, وشهدت ولادة عدد من النقاد المرموقين أمثال ابن أبي الأصبع وسواه. ومنها ثانياً: اهتمامه بفن البديع الذي أفرد له كتابا وسمه بـ -بديع القرآن- وخصصه للحديث عن نظريته في إعجاز القرآن, فبيّن أن هذا الإعجاز يرجع إلى أسباب كثيرة, من أهمها ما تضمنه من فنون بديعية فاقت نظائرها, وتجاوزت أمثالها مما في كلام البشر, وهي نظرية خالف فيها بعض من سبقه ممن بحثوا في إعجاز القرآن, أمثال الباقلاني في كتابه -إعجاز القرآن- الذي نفى إمكانية الاعتماد على الفنون البديعية لإثبات الإعجاز القرآني. ومنها ثالثاً: أنه يعد مثالا واضحا للناقد البلاغي في تراثنا النقدي, فقد كرّس معرفته في علوم البلاغة المختلفة, وتعمقه في درسها والبحث فيها, وولعه بفنونها عامة وبالبديع خاصة, ليتحفنا بآراء نقدية مهمة, سخّر فيها البلاغة لخدمة النقد, فدرس النص الأدبي دراسة يتضح فيها اتكاؤه على الفنون البلاغية, للوقوف على ملامح القبح والجمال في الأثر المدروس. ومنها رابعاً:أفقه النقدي المتميز, وحديثه عن الكثير من القضايا النقدية التي كانت تشغل النقاد قبله, وكانت لهم فيها آراء و مذاهب، كالسرقات الأدبية, واللفظ والمعنى, والموازنات الأدبية وسواها, فعرض هذه القضايا, وأدلى بدلوه فيها, وقدم آراء جديدة فيها, فأغناها عمقا وثراء وتنوعا. ومنها خامساً: ثقافته الواسعة التي تظهر لقارئ نتاجه, وتتجلى في مصادره التي أخذ منها وأفادته في نقده, والتي كانت كثيرة ومتنوعة وتنتمي إلى حقول معرفية متعددة, تتصل باللغة والنحو, والنقد, والبلاغة, والتفسير, وغير ذلك مما يعكس أمانته العلمية في النقل,ورغبته في تتبع المادة العلمية في مظانها وأصولها, ولاشك في أن مثل هذه الثقافة المترامية الأطراف ضرورة لا غنى عنها لبناء الشخصية الناقدة. ومنها سادساً: دقته في عرض آراء النقاد السابقين له, وجرأته في نقد ما ذهبوا إليه من آراء موافقاً أو معقباً أو معلقاً أو مستدركاً. ومنها سابعاً: أن من الواجب علينا أن نكشف عن التراث النقدي الذي خلفه لنا أعلام النقد الأدبي السابقون، ومن بينهم ابن أبي الإصبع، وتقديمه للقارئ على امتداد الساحة الثقافية العربية، ضمن دراسات علمية وجادة وموضوعية ليكون حلقة تصلنا بما سبق، وتؤسس لبناء حاضر نقدي يسعى لاستشراف آفاق المستقبل على خطى راسخة وثابتة. واقتضى البحث أن أجعله في ثلاثة أبواب: تناولت في أولها حياة ابن أبي الإصبع ومصادر نقده، وفي الثاني القضايا النقدية عنده، وفي الثالث موقفه من العلماء ومقاييسه النقدية العامة ومصطلحاته النقدية. وجاء الباب الأول (حياة ابن أبي الإصبع ومصادر نقده) في ثلاثة فصول: تناول الفصل الأول منه عصر ابن أبي الإصبع، من خلال رصد الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وبيان مدى تأثره بها، وتأثيره فيها. وكان الفصل الثاني: لحياة ابن أبي الإصبع وآثاره، فتحدثت أولاً عن كنيته ورحلاته ومولده وثقافته ووفاته وشعره، ثم ذكرت ما استطعت أن أقف عليه من آثاره، بعد أن قسمتها إلى ثلاثة أقسام: فبدأت بالمؤلفات المطبوعة، ومن ثم بالمؤلفات المخطوطة، وأخيراً المؤلفات المفقودة. وخصصت الفصل الثالث للحديث عن مصادر نقده، فذكرت أولاً مصادره العامة في كتابيه -تحرير التحبير- و-بديع القرآن-. ثم فصلت القول في مصـادر نقده، بعـد أن قسمتها إلى ثماني مجموعات هي: ـ الكتب النقدية والبلاغية. ـ كتب إعجاز القرآن. ـ كتب السرقات الأدبية. ـ كتب التفسير والدراسات القرآنية. ـ كتب الأدب العامة. ـ المصادر المجهولة. ـ المصادر المفقودة. ـ مصادر أفاد منها ولم يذكرها بين مصادره. أما الباب الثاني (القضايا النقدية عنـد ابن أبي الإصبع) فقـد اتسع لأربعة فصول: بحثت في الفصل الأول منها قضية السرقات الأدبية عنـده، وجعلتها في قسمين: تناولت في القسم الأول: سرقات المعاني مميزاً بين الأنواع التي يعدها سرقة، ويؤاخذ عليها الشاعر أو الناثر، من مثل حسن الاتباع، والإيداع، والاستعانة ونحوها، وبين أنواع أخرى لا يعدها سرقة، ولا يؤاخذ عليها المتكلم، كالقلب، وسلامة الاختراع من الاتباع، والتقصير في الاتباع وغيرها, وتحدثت في القسم الثاني عن سرقات الألفاظ، مثل: الاشتراك، وتوليد الألفاظ، والمواردة. ورصدت في الفصل الثاني موازناته الأدبية التي عقدها في كتابيه، فرأيت أن بعضها كثر واتسع، وأخذ جانباً كبيراً من كتابيه، كالموازنة بين الشعر، أو بين الآيات القرآنية الكريمة، أو بين القرآن الكريم والشعر، وقل بعضها الآخر وضاق، كالموازنة بين القرآن الكريم والنثر، أو بين الحديث النبوي والشعر، أو بين النثر والشعر. وكان لابد من الوقوف عند منهج ابن أبي الإصبع في هذه الموازنات، وتبيين طريقته في تناولها، والتي اتضح أنها تسير ضمن اتجاهين اثنين: أولهما: المنهج الموضوعي الذي يعتمد على مجموعة من الخطوات العلمية في دراسة النصوص، كالشرح والتحليل والتوضيح والتعليل، ومن ثم إطلاق الأحكام النقدية المناسبة، بتفضيل نص على آخر. وثانيهما: المنهج الذاتي الذي يعتمد على أسس ذاتية، وعلى ذوق الناقد واستحسانه الخاص للآثار الأدبية، والذي يتجلى من خلال إطلاق الأحكام النقدية العامة غير المعللة في ظاهرها. وفي الفصل الثالث توجه الحديث نحو بحث قضية اللفظ والمعنى، وتناولها من خلال مجموعة من المقاييس النقدية، بعضها للمعنى مثل: الصحة والخطأ، والوضوح والغموض، وكثرة المعاني وقلتها وسواها، وبعضها الآخر للألفاظ: كالائتلاف، والدقة، والنزاهة، والعذوبة وغيرها. وكان الفصل الرابع للحديث عن قضية الصدق والكذب، التي تناولتها من خلال معالجة ابن أبي الإصبع لثلاثة فنون بديعية ترتبط بهذه القضية، وتعكس وجهة نظره تجاهها هي: المبالغة، والإغراق، والغلو. وأما الباب الثالث (موقف ابن أبي الإصبع من العلماء، ومقاييسه النقدية العامة, ومصطلحاته النقدية)، فقد تضمن ثلاثة فصول: الفصل الأول: عالجت فيه نقده العلماء، بعد أن قسمتهم إلى ثلاث فئات هي: فئة النحاة، وفئة المفسرين، وفئة الكتاب والمصنفين، ورأيت أن أهم ما يلاحظ على نقده للعلماء هو سيطرة الروح الموضوعية على هذا النقد، وغلبتها على آرائه. وأما الفصل الثاني: فرصدت فيه مقاييسه النقدية العامة، التي رأيت أنها تتوزع في خمسة مقاييس رئيسية هي: المقياس التأثري، والمقياس الديني والخلقي، والمقياس النحوي واللغوي، وشروط البلاغة، والبديع، وحاولت في أثناء الحديث عن مقياس البديع، أن أعرض لرأي ابن أبي الإصبع في قضية الإعجاز القرآني، ولاسيما أن هذا المقياس يرتبط ارتباطاً كبيراً بالبديع، لا بل إن عمدة رأيه في إعجاز القرآن وأساسه، إنما يستند إلى البديع، ويعتمد عليه. وأما الفصل الثالث: فكان للحديث عن مصطلحاته النقدية، وتناولت فيه مجموعة من تلك المصطلحات، منها ما هو نقدي صرف، كالحسن والجودة ونحوهما، ومنها ما هو نقدي بلاغي كالإرداف والإشارة وغيرهما، وكان لابد من التعريف في هذا الفصل بأبرز مصطلحاته النقدية، وأكثرها دوراناً في كتابيه، لأنها أساس قراءة نقده، ولم يتسع الفصل لجميع المصطلحات المتناثرة في كتابيه، لأنها كثيرة ومتنوعة, ولا يمكن الإحاطة بها جميعاً في بحث كهذا، ولذلك آثرت أن أعرض بعضاً منها لتكون عوناً للقارئ على فهم نقد الرجل، وممثلاً بهذا القليل على الكثير, فضلاً عن أنني قد أتيت على دراسة بعض هذه المصطلحات في ثنايا الفصول السابقة. د. حمود حسين يونس

النقـــد عنــد ابن أبي الإصبع المصري.pdf

تفاصيل كتاب النقـــد عنــد ابن أبي الإصبع المصري.pdf

للمؤلف: د. حمود حسين يونس
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 2
مرات الارسال: 26

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T
عرض جميع الكتب للمؤلف: د. حمود حسين يونس

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: