المســـعودي.pdf
للمؤلف: د. نوفــل نيٌّـوف
ليس كاتبُ هذه السطور مؤرِّخاً، ولا ينوي وضْع كتاب أكاديمي عن رحّالةٍ، جغرافيٍّ ومؤرِّخٍ فذٍّ كالمسعوديّ. فهذه مهمّة لا نضعها نُصْبَ أعيننا، ولا نسعى إليها. وذلك أقلُّه لسببين رئيسين: 1- أن للتاريخ رجالَه. والكتبُ التي تندرج في هذا الباب متوفِّرةٌ وكثيرة، بصرف النظر عن تفاوت قيمتها وعلميتها. 2- ليس مَن نتوجَّه إليهم من فتياننا وفتياتنا بهذا الكتاب، وبهذه السلسلة عموماً، في حاجة الآن، وهم في هذا العمر، إلى دراسة أكاديمية متخصِّصة عن عالِمٍ أو مؤرِّخٍ أو أديبٍ... إنهم في حاجة إلى رؤية صورة ذلك العالِم أو المؤرِّخ والأديب... وهو يعمل، ويتحرَّك، ويحلم، ويواجه في سياقِ ما كان سائداً في عصره من ثقافة، وسياسة، وظروف حياة، وتحدِّيات، وطموحات، وأخطار... وعلى ضوء ذلك، هم في حاجة، إذاً، إلى الانتقال من السطحيِّ، الشفهيِّ، المتداوَل شعبيّاً، الشائع، المسموعِ، المنقولِ، المحكيِّ، المدرسيِّ بالمعنى السيّْئ لهذه الكلمة... إلى الملموس: إلى الأصول، إلى النصوص التي وصلت إلينا في الكتب والمخطوطات. الانتقالِ إلى الاحتكاك المباشر مع المتن والتراث: إلى الوثيقة الناطقة، والشهادة المكتوبة، إلى لغةِ كاتبِها وأسلوبِه، إلى التعامل معه كائناً حيّاً يكشف لنا عن عقله، ومنطقه، وخبرته، ومشاهداته، واستنتاجاته... يخاطبنا، يدفعنا بهدوءٍ واحترامٍ إلى التأمّل، والتفكير، والحوار معه وجهاً لوجه، دون واعظ أو وسيط. واهتداء بهذا المنطلَق أوِ الاعتقاد انصبَّ اهتمامُنا، في ما اخترناه من مشاهداتِ الرحّالة المسعوديّ وأخباره، على ما نراه مفيداً، طريفاً، مشوِّقاً، نابضاً بالمعلومة والعِبرة في أهمِّ ما وصل إلينا من كتبه (-مروج الذهب- أساساً). ولم نلتفت هنا إلى ما يورِده المسعودي من أخبارٍ تظلُّ، على أهميِّتها، معروفةً يتَكرَّر ذكرُها فيما لا حصر له من كتبٍ ومراجعَ قديمةٍ وحديثة عن نشأة الكون والخليقة، وعن التاريخ الإسلامي (الراشدي والأموي والعباّسي) الذي تملأ أخباره ثقافتنا البيتية والمدرسية والاجتماعية... إن الهدف، كما أسلفنا، ليس تقديمَ بحثٍ أكاديمي علمي يتناول ما هو معروف، مثقَلٍ بالهوامش، والإحالات، والتعليقات. فنحن نتوجَّه بهذا الكتاب إلى الناشئة، متوخِّين قبل كل شيء، الأخذَ بأيديهم وتشجيعَهم على قراءة كتب التراث، واستقاءِ ما فيها من متعة وفائدة. ويمثِّل هذا التوجُّهُ، فيما يمثِّله، سعياً لتبديد ما يخالط بعض الأذهان من اعتقادٍ يكاد يصبح يقيناً بأن كتب التراث عسيرةُ القراءة، عصيةٌ على الفهم، مكتوبةٌ بلغةٍ عتيقة، مقعّرةٍ، وألفاظٍ مهجورة لا سبيلَ إلى التواصل معها اليوم... صحيح أن هذه الصعوبة موجودة حقّاً، كما في لغة كلِّ تراث قديم. غير أنها صعوبة نسبية، وطبيعية. وما المبالغة في تضخيمها إلا أشدُّ خطراً منها. ونحن نرى أن تخطِّي هذه المشكلة يتطلَّب إقامة جسر بين الناشئة ومختارات من التراث مشوِّقة وميسَّرة، أي: نحافظ فيها على لغة كاتبها، ولغة عصرها، من جهة، وتكون موضع قدْر محدود من التصرّف، تمليه الضرورة، من جهة ثانية. هذا التصرف يتضمّن، أوَّلاً، استبعادَ جُمَلٍ وتعابيرَ وتفاصيلَ فات زمانُها، أو ليست جوهرية الآن، ولا يُخِلُّ تعديلُها أو إغفالُها بفهم سياق النص المختار ولا بمعناه، وثانياً، توضيحَ كلمة بمرادِفةٍ عصرية أحياناً. على ألا يطال التصرّف إلا عبارات أو مفردات محدَّدة في النص تفيض عن حاجة الفتيان أو قدرتهم على الفهم، ولا تتلاعب بالنص إضافةً أو تحويراً. وهكذا، لو كانت الغاية تنحصر في إطلاع الناشئة على حياة المسعودي (أو غيره من الأسلاف عرباً وعجَماً)، والتعريفِ بعصره، ورحلاته وأعماله... لكان لنا طريقةٌ أخرى في السير إلى بلوغ تلك الغاية، أو بالأحرى لامتنعنا عن كتابة ما نحن مقدمون على كتابته، ولاكتفينا بما هو موجود من مؤلَّفاتٍ، وأبحاث، أو في موسوعاتٍ، وكتب تاريخية عامة، أو تعليمية، أو متخصصة في هذا الموضوع. وعليه، فإننا َنَعُدُّ نجاحاً لقصدنا إذا ما تمكَّنّا من جعل قارئ هذا الكتاب يشعر بالشوق إلى/ والرغبة في قراءة كتب التراث، سواءٌ في ذلك كتبُ المسعودي وغيرِه، وعدم الاكتفاء بالشائع والمسموع، أو بتلقُّف متفرِّقات الأخبار المبثوثة اعتباطاً هنا وهناك، وعلى صفحات الإنترنيت، مثلاً. سنكون قد حقّقنا الأمل في تحرير القارئ الفتيّ من خوف التراث، ففتحنا الباب لتحريك خياله، وإغناءِ قاموسه اللغويِّ، وساهمنا في ترسيخ يقينه بفائدة العودة يوماً إلى المصادر الأولى، والتفاعل مع أساليبها، ومفرداتها، وتذوُّقِ جمالياتها، سواءٌ في ذلك كتبُ الجاحظ، والتوحيدي، والمسعودي، وابن رشد، و-حماسةُ أبي تمّام، و-المدينة الفاضلة- للفارابي، و-رسالة الغفران- للمعرِّي،... والحال، إنَّ تصوُّرَنا الغايةَ على هذا النحو من وضْع كتاب للناشئة عن المسعودي هو ما حَكَمَ طريقة اختيارنا ما اخترناه من -مروج الذهب-، وهو ما جرّأنا أيضاً على اللجوء عند الضرورة إلى حذف عبارة عسيرة، أو لفظة مهجورة، وإلى شرح بعض الجُمَل والكلمات، أو وضع مرادف لها، أو توضيح معناها بين قوسين أو في الهامش... كما أننا كثيراً ما اضطُرِرنا إلى تجميع أخبار ومعلومات عن موضوع معيَّن، كانت متفرقة على صفحات مختلفة من -مروج الذهب-، لتبدو وكأنّها نصٌّ واحدٌ، متكاملٌ نرجو أن يجده القارئ أسهلَ تحصيلاً، وأجدى نفعاً، وأكثر إمتاعاً. د. نوفل نيُّـوف
تفاصيل كتاب المســـعودي.pdf
للمؤلف: د. نوفــل نيٌّـوف
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 0
مرات الارسال: 26
عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T
عرض جميع الكتب للمؤلف: د. نوفــل نيٌّـوف