حقيقة.!

الكتب هي الآثار الأكثر بقاء على الزمن.

التصوف العربي الإسلامي.pdf

التصوّف هو- في أحد تعريفاته الأولية - نمط من المجاهدة والرؤية النفسية، التي قد يرافقها سلوك عملي جسدي، في حين يُراد منها أن تستجيب لحاجات ‹‹التصوّف›› الروحية والنفسيّة والمجتمعية العامة. وهو بوصفه نتاجاً ذهنياً، نُظر إليه على أنه مادة متممة للفلسفة العربية. لذلك سنعود إلى الوراء قليلاً، لتبيُّن ذلك في أوّلياته. فالفلسفة العربية لم تنشأ - كما يقول مستشرقون - مستقلة استقلالاً أًوّلياً، بل هي ظهرت بوصفها حيثية يونانية. وهنا تبرز فضيلة العودة إلى الماضي المتمثلة في وضع يدينا على خصوصية الفلسفة العربية. وقد تبين لنا أن هذه الخصوصية ظهرت من موقع أنها نشأت على نحو مغاير لنشأة الفلسفة اليونانية، حيث إن نشأة هذه الأخيرة كانت في صلب الدين، بينما اليونانية قد اقتضت مواجهة الدين والأسطورة. فخصوصية الفلسفة اليونانية كمنت في أنها قامت برفض الدين والأسطورة؛ أما خصوصية الفلسفة العربية فقد كمنت في أنها قد نتَجتْ داخل الدين، ثمّ عملت على تجاوزه. الفلسفة العربية -إذاً- ما كان لها أن تتحرك في البدايات الباكرة خصوصاً، خارج الإطار الديني. وهنا نواجه سؤالاً تشكيكياً هو: -إنّ الفلسفة تحتاج إلى الحرية والعقل المفتوح، فكيف كان لها أن تنشأ في داخل المنظومة الدينية؟ وقد لاحظنا في دراساتنا السابقة حول هذا الموضوع أن الدين الإسلامي كان يحتمل ذلك بقدر معين. فالنص الديني الإسلامي قُرِئَ بصيغٍ تسمحُ بتحويله إلى صيغة فكرٍ نقدي قريب من الفلسفة، فهو يحتمل أنماطاً متعددة مفتوحة في أفقها الرؤيوي (النهجي)، منها ثلاثة حفّزت على نشأة الفلسفة وغيرها من الأنساق المعرفية، التي تحتمل بُعداً انفتاحيا. فالإسلام يمكن أن يكون، ضمن بنيته النظرية والإعتقادية النهجية، قابلاً للإقرار بالعناصر الثلاثة التالية: 1- التعددية:ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة؛ ففي داخل الإسلام نفسه، كما بينه وبين الأديان الأخرى، تبرز هذه التعددية. 2- الحريّة: فالناس أحرار حيال ما يلبّي مصالحهم (مشروطية المصلحة). 3 - والثالثة: هو إنه يحتمل التأويل، ويطالب به. هذه أفكارٌ كانت هامة جداً من أجل فتح النص الديني باتجاه آفاق مختلفة؛ وبالتالي، فهذا الأخير أسهم، بذلك، في احتمال نشأة مذاهب متعددة (ويقال إنه قد نشأ ما يقترب من 500مذهب) في الدين الواحد نفسه. وحسب نظرية النص، فإن كل نص، أيّاً كان، يحتمل التأويل، سواءٌ أكان نصاً فلسفياً أو دينياً أو جمالياً الخ. ولكن هناك اختلافٌ في آلية التأويل،هذا الاختلاف الذي يأتي من مستوييْن اثنين هما: 1- المستوى المعرفي (الابيستيمولوجي) للمؤوِّل:فالناس العاديون يفهمون النص بصورة أولية عادية، وربما أدى بهم الأمر إلى التشدد والتعصب، أو إلى الخروج عنه، بصيغةٍ ما؛ أما النخب المثقفة فتُقدم عليه على نحوٍ آخر. 2- المستوى الثاني ويتمثل في الأيديولوجية: أيديولوجية المصالح التي تعني أن قارئ النص يقرأه مُثْقلاً بمصالحه. وإضافةً إلى ذلك فإن النص يُقرأ في سياقه التاريخي، فالآن -مثلاً- يُقرأ في عصر العولمة ولغتها عموماً، وفي عصر الانتفاضات الشبابية ولغتها عموماً؛ وهكذا فلغة العصر هي إناء العصر التاريخي، الذي يتبلور في لغة الثقافة. ويذكر أن هناك قراءات أحدثت صراعات وخلافات كثير منها عميق وخطير. فمحمد عمارة -على سبيل المثال- وهو رجل كان متأثراً بالفلسفة والفكر الفلسفي التنويري، بدأ يقدم دراسات سُميّت دراسات عقلانية نقدية، أوصلها صاحبها إلى تخومٍ بعيدةٍ جداً، بحيث وقف سادةُ الأزهر وكفَّروه. بل قصة نصر حامد أبو زيد مازالت طازجة، حية في ضمير الناس وعقولهم. فالحركة التكفيرية قائمة، وهي آتية من النص نفسه بإيحاء موارب ومضلّل غالباًمن المصالح المضمرة؛ فيُكفَّر المؤوُّل بسبب ما يقدمه النص نفسه من احتماللتأويله. والذين يُملونَ على القراءة طابعها هم - عموماً أو خصوصاً- ممّن يمتلك السلطة أو الثقافة أو كلتيهما. بصيغة أخرى، ثمة مستويان للتأويل هما المستوى النظري المعرفي للمؤوّل، والمصالح الثاوية أو الظاهرة لهذا الأخير. إن جدلية السلطة والثقافة هي ما يُملي قراءة النص على المجتمع والناس؛ والأزهر هو في مصر مثلاً- العين الرقيب على الإنتاج الديني، سواء أكان هذا الإنتاج إسلامياً أو مسيحياً الخ. فحين يخرج كاتب عن النمط الأزهري قد يتهم بالكفر؛ وهذا ربما يؤدي إلى حروب، مع أن النص ذاته هو الذي يسمح بالتأويل على النحو المعني. هذه الخصوصية خصوصية قبول النص لتأويلات متعددة وجِدت غالباً بصيغ متعددة، ومع مجموعاتٍ متغيرة، وكذلك مع متغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقا - إيديولوجية. وآخر ما يحدث الآن أن طبعات جديدة للقرآن صدرت، ويقال إنها طُبِعت في أمريكا، وأُريدَ منها نزعُ ما يُعتقد أنه خطر، كفكرة الجهاد، التي يعبرون عنها الآن بالإرهاب؛ وكفكرة بني إسرائيل، كما هي واردة في القرآن. فالنص يخضع دائما لأسباب وعوامل تاريخية تمارس دوراً آخر. وهذا الذي ذُكِر كله نلخصه في فكرةٍ حاسمة هي الناس يقرءون النصوص وفق مصالحهم ووفق أفهامهم. والفكر العربي الذي بدأ يحبو، وجد في النص ما يساعده في الإجابة عن مشكلات كثيرة، مثل الحرية، والتعددية، والتأويل. لذلك، أخذ ينمو نسبيأ في داخل الفكر الديني. ولكن النص الديني مهما كان مستنيراً، لا يصل إلى حدود الفلسفة بنيةً ووظائف. ها هنا نضع يدينا على نمطين من العقل، العقل الديني، والعقل الحرّ. فالعقل الأول مهما بلغ من نموٍ فكري عقلي نقدي، فله حدود هي التي يضبطها الإطار الديني والتي لا يمكن أن يتجاوزها إلا بسلوك معدّل. وهنا، نلمح الخصوصية، التي تبدأ بلورتها عمقاً و أفقاً: عمقاً- : بدأ الفكر العربي يتأسس على حالة نقدية مفتوحة؛ وأفقاً- : إنَّ كلّ أنماطالفكر العربي الناشئ بدأت تعيش حالة من التثاقفوالحوار فيما بينها بدافع الأحداث الكبرى والصغرى ضمن التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية، التي طبعت التاريخ العربي (الإسلامي) بطابعها. لهذا، لا بدّ من أن نطرح السؤال التأسيسي التالي ونجيب عنه: كيف نشأ التصوّف في قلب الفكر العربيّ؟ وهناك سؤال تأسيسي آخر هو: ما هي الشروط التاريخية والاجتماعية والسياسية الثقافية، التي حفَْزت على نشأة هذا التصوّف، وكذلك الفلسفة، أو الفقه، أو العلم، أو الفن، بوصف كون هذه الأنساق أنماطاً من الوعي العربي المذكور؟ إذن، هما سؤالان: الأول من داخل البنية الفكرية، التي تتبلور في منظومة فكرية عربية قائمة على التعددية والاختلاف. أما الثاني فيتصل بالبنية التاريخية والاجتماعية والسياسية. وهذا سيبرز حينما نتناول التصوّف مخصَّصاً. وسنلاحظ أنه أتى من تحت حوافز التحولات الكبرى في المجتمع العربي الإسلامي. والمهم إننا لم نصل إلى تحديد الخصوصية العربية الإسلامية عموماً فحسب، بل ضروري كذلك أن نشير إلى أن تلك الأنماط كان لا بدّ لها أن تعْبرالقناة الدينية على نحوٍ ما، بقدرٍ أو بآخر وبكثير أو بقليل من الوضوح والترجيح، كي تستمد قدراً من الشرعية تسهل حركتها وتنقلها. وشيئاً فشيئاً ضاق الإطار، وكان عليه أن يتسع أكثر وأكثر. وهذا نعبر عنه بالانتقال من العقل الديني إلى العقل الحرَّ. أمّا هذا الانتقال فيعني الشيء الكثير بالاعتبار الديني والاجتماعي والسياسي الثقافي. لذلك، نستطيع الآن النظر إلى الفكر العربي على أنّه الحامل الأساسي لما ظهر من أنماط فكرية جديدة، منها التصوّف. ففي البدايات، كان الحديث عن حركة عامة بدأت تكتشف خصوصيتها أو خصوصياتها إلى أن وصلنا إلى التصوّف، والفلسفة، وعلم الاجتماع، حيث بدأنا كذلك نصل إلى الحلاج وابن عربي في التصوّف، وإلى ابن سينا وابن رشد وابن طفيل في الفلسفة، وإلى ابن خلدون والمقريزي في علم الاجتماع. بدأنا نعيش عملية تحول عميقة، وبدأنا بأبي ذر الغفاري، وانتهينا بابن خلدون من القرن 7م، إلى القرن 14م، إذ إنه لم ينشأ دفعة واحدة، ولم ينتهِ كذلك؛ وهو مازال في حراك مفتوح.

التصوف العربي الإسلامي.pdf

تفاصيل كتاب التصوف العربي الإسلامي.pdf

التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 1
مرات الارسال: 31

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: