حقيقة.!

أوفى صديق إن خلوت كتابي... ألهو به إن خانني أصحابي

المسرح في بريطانيا.pdf

زرت بريطانيا سبع مرات بين عامي 1978 - 2000, وتراوحت مدة الزيارات بين أسبوعين وسنتين. في أحدث زيارة, اصطحبت زوجتي وولديّ سامي وكريم معي إلى لندن لألاحق ظل خطواتي, وأعرفهم أين مشيت, أين أكلت, أين قطنت, ومن أين اقتنيت كتبي, ولكن بشكل خاص أي المسارح ارتدت وأحببت. كان كريم لا يتجاوز الثالثة والنصف من العمر فقط, وكان يتعب من المشي بحيث اضطر لحمله مسافات طوالاً ينوء بها ظهري ونحن نلهث سعياً إلى المتاحف والمعارض والمسارح. وبمبلغ كبير من المال, يتجاوز حدود دخلي, أخذتهم جميعاً مع صديقتنا العزيزة قمر وابنتها إليزابيث, لحضور الملك / الأسد من إخراج جولي تيمور. ومنذ ولج ابني سامي المسرح, وعمره لا يتجاوز آنذاك ثمانِ سنوات, شهق إعجاباً, وقال لي: هذا يختلف عن المسارح التي تخرج فيها! ما هذا, يا بابا؟ إنه متحف! أما كريم, فجلس مذهولاً, لا يجيب حتى عن أسئلة أمه وأسئلتي, وهو يتأمل الخيال المبدع في الأقنعة وتجسيد الحيوانات لواحدٍ من أجمل عروض الميوزيكال التي شاهدت. أعود بالذاكرة إلى الوراء, حين وطأت قدماي مطار هيثرو لأول مرة وأنا بصحبة زميل من التلفزيون السوري لاقتناء أفلام ومسلسلات من شركات الإنتاج البريطانية. لم أجد أي شيء غريباً, بل ألفت المكان والناس بسرعة هائلة. أعزو السبب إلى دراستي الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق على أيدي أساتذة تخرج بعضهم من جامعات بريطانيا, مثل غسان المالح ورندة الخالدي وزهير سمهوري. كانت الزيارة مثل لقاء عاشقين بالمراسلة. ارتدت مسارح لندن بإسراف وانبهار وهوس, وكأنني أعرفها معرفة حميمة. كان ارتيادي للمسرح البريطاني تحقيقاً لحلم راودني منذ عام 1964, حين نلت الشهادة الثانوية واخترت دراسة الأدب الإنكليزي. تكررت الزيارات.. وتضاعفت المشاهدات المسرحية. لكن أطولها بدأ مع عام 1981 حين التحقت بواحد من أفضل معاهد المسرح وهو دراما سنتر- لندن لأدرس اختصاص مدرب محترف للتمثيل, كان مدير المعهد كريستوفر فيتيس مخرجاً لامعاً ذا شخصية عسكرية صارمة, أما أستاذ الحركة الكهل السويدي (الراحل) يات ملمغرن فقدرني كثيراً وخصني باهتمامه, وكثيراً ما استعانت بي مدربة الإيماء ساره فإن بير كواحد من أفضل طلابها. لكنني لم أستمر إلى النهاية لأسباب تتعلق بالمنحة والشهادة وأمور أخرى, ففضلت الالتحاق بجامعة كارديف بالويلز لأتخصص في الإخراج المسرحي, وأكلل ذلك بإخراجي مسرحيتي ليالي شهريار بالإنكليزية في مسرح شيرمان الحلبة, حيث لعب دور (شهريار) أستاذي (الراحل) في مادة الصوت والإلقاء جون لينستروم. كما أخرجت مسرحية ألفريد فرج -الفخ-. عدت إلى لندن في الصيف، وقمت بعدة دورات في مركز الإيماء مع الإيمائي الأمريكي الشهير آدم داريوس وغيره من الإيمائيين, ثم خضعت لدوره في الإخراج التليفزيوني في BBCلندن, وأخرجت عملاً درامياً تدريبياً بعنوان طرد الأرواح تأليف دون تايلور مع ممثلين بريطانيين محترفين. وبعد عودتي إلى سورية بفترة وجيزة, رجعت لأحضر مهرجان إدنبره عام 1984, وبعدها بأعوام طويلة أتاح لي مدير المجلس الثقافي البريطاني في دمشق, المستشرق بيتر كلارك, أن أذهب برفقة الصديق ممدوح عدوان لحضور ندوة كمبريدج عن الأدب البريطاني المعاصر, حيث تعرفت إلى بعض من كبار المسرحيين, مثل الناقد كريستوفر بيغسبي, والمؤلفين المسرحيين ديفيد إدغار وآرنولد ويسكر. قضيت بعدها ثلاثة أسابيع مع زوجتي عزة في لندن, شاهدت خلالها 18 عرضاً. ثم، في عام 2000, أسعدني أن دعاني الاتحاد الأوروبي لزيارة جديدة إلى بروكسل ولندن, فزرت الباربيكان, المسرح القومي الملكي البريطاني, الأكاديمية الملكية لفن الدراما- رادا, أكاديمية لندن للدراما والموسيقى- لامدا, وأخيراً وليس آخراً دراما سنتر- لندن, حيث فرحت فرحاً طفولياً بأن أستاذي السويدي, يات ملمغرن, الذي علمني مبادئ رودولف لابان في سيكولوجيا الحركة, والذي يفخر بأن شون كونري اختاره ليعطيه دروساً وهو في أوج شهرته, كان بعد حياً يعمل وهو في حوالي الرابعة والثمانين من العمر. واستقبلني أستاذي ومدير المعهد كريستوفر فيتيس بحرارة غير متوقعة إزاء شخص غادر المعهد مبكراً قبل عشرين سنة, فكانت مصالحة سعيدة مع الماضي, واعترافاً منه ومني بأننا مهما افترقت بنا السبل فإنني انطلقت من هنا, وأن المسرح يجمعنا، وأن الذاكرة أقوى من النسيان. إلى من أهدي كتابي؟ هل أهديه إلى الأشخاص الذين عملت معهم, وتعلمت منهم, مثل كريستوفر فيتيس وجورج رومان؟ أم إلى بعض من التقيتهم أو راسلتهم من كبار المخرجين, مثل بيتر هول, مايكل بوغدانوف، ثم ديفيد ثاكر؟ أم إلى المخرجين البريطانيين العظماء الذين لم أتعرف عليهم شخصياً, لكن أعمالهم ألهمتني وسحرتني, مثل أدريان نوبل، تريفور نن, ريتشارد آير, كليفورد وليامز وجون دكستر؟ اخترت أن أهديه إلى أطفال اليوم, رجال ونساء المستقبل, ممثلين بأصغر أفراد عائلتي: كريم. وأعترف لكم ولكريم أنني لم أكن قادراً على أن أحتفظ بين صفحات كتابي بنضارة الوردة وضوع عبيرها, لأن وردتي مجففة تحمل ذكرى عشق قديم. كل أملي أن تحرك تلك الوردة مشاعر القارئ وتحرض أفكاره في كل زمان وأي مكان, فتدب الحياة في الصور والشخصيات والسطور التي أنارت لي الدرب, وعرفتني ببعض أجمل تراث الإنسانية, وأروع معالم الحضارة.

المسرح في بريطانيا.pdf

تفاصيل كتاب المسرح في بريطانيا.pdf

التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 1
مرات الارسال: 26

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: