حقيقة.!

ما النسيان سوى قلب صفحة من كتاب العمر.. قد يبدو الأمر سهلا، لكن ما دمت لا تستطيع اقتلاعها ستظل تعثر عليها بين كل فصل من فصول حياتك.

السيرة الحلبية.pdf

امتد بساط الحزن يسابق خطوات أيامه التي تعثرت، وكانت تطوي لفافات مهترئة في كهف الوحشة. ها هو خريف الوحدة قدمَ كسلحفاة تورمت أقدامها من الزحف لسنوات، وها هي دفقات الشتاء تنذر بالمخاوف التي يأتي بها الربيع عادة ليحمل اختناقات (الربو) هدية موسمية يقدمها إلى (سلام المحارب). لم يعثر الرجل يوماً على تفسير للعلاقة بين اسمه ولقب العائلة فبقيت مبهمة، فتاريخها لم يسجل واقعة أو حدثاً أشار إلى حرب أو دلّ على محارب باستثناء ما قيل عن جدّه العجوز من أخبار بلغت سلام في طفولته. قضى الجدّ عبد السلام نحْبه في حفرة، فبينما كان عائداً من مقهى الحارة وقع في كهريز مفتوح فلم يدركه أحد. وفي تلك الليلة فوجئ رفاق المقهى بحكايات جديدة انطلق أحدهم في قصّها عليهم لتدور حول مغامراته يوم كان جندياً في الجيش العثماني. بطولات في (جنق قلعة) أو في ديار (البلقان). وإذا ما غادرهم انطلق كل منهم في التعليق على أكاذيبه المسلية. ويبدو أن حادث جدّه دفع بسلام المحارب، الذي بات كاتباً معروفاً، إلى التساؤل إن كانت الأعمال التي كتبها امتداداً لمخيلة الجّد الناشطة. كان بخاخ الربو بذراته يحصي الأيام المقتربة من الصيف ليتوقف الخناق الربيعي الذي يشلّه في لحظات لولا الدواء الذي يلازمه على مدار الساعات فيضع حداً لضيق أنفاسه. ولكن الفصول الأخيرة من فقده لزوجه (سعاد) لم يكن لها علاج بالرغم من ذكريات الحب التي حافظ عليها. أربعة عقود من الحب والتعاطف والشوق الذي جمع بين جسدين وروحين ما لبث أن انتقل وصالهما إلى المشاركة بين ما يكتبه الزوج وما تقرؤه سعاد. كانت أول قارئة لمخطوطات الكاتب الذي أعلنته المفضل لديها، وكثيراً ما كانت تطلب منه تعديلاً أو تغييراً فيستجيب لها لإيمانه بقدرتها على إبداء الملاحظات الذكية. وهو في قبوله لتلك الآراء ظلّ يخفي تساؤلاً عن تلك المرأة التي ترعرعت في بيت ريفي على سفح جبل ولم تكمل تعليمها الجامعي، فهل كانت الصخور التي ينمو بينها الزعتر البري لتحط على أزهاره أسراب النحل هي التي منحتها وعياً بروح الكتابة الفنية وأهّلتها لإطلاق الأحكام على أحداث رواية أو تمثيليه للتلفزيون أو المسرح. وعن الوجه الآخر للتساؤل عن سرّ سعاد التي يتأفعى جسدها في الفراش بينما يتحوّل في الحياة اليومية إلى ما يشبه تمثالاً من رخام ينطق بحكمة الاتقان والوقار ويفرض على الآخرين جماله فتتعلق به الأرواح. وخيل لسلام أن امرأته أخذت من شجيرات الورود خصال الاستجابة للرياح لتعود في فترات هدوء الطبيعة إلى شموخ أغصانها، وكانت سعاد تملك حدّة أشواك الورد دون أن تتسبب في جرح أحد. وحيداً يدور في أرجاء بيته، يمسح بعينيه الجدران والزوايا والمقاعد، الأسرّة والخزائن، النوافذ والأبواب. هو يدور فتخرج له من الفراغ حياة تطل بألوانها وروائحها تتمثّل وهماً ما إن يراها ويتنشقها حتى تدق لحظة الضياع. ومن جديد تتكرر الحيلة التي خدعته، حياة تأتي من الماضي ليشهد معظم أنحاء المنزل سلام يخطف قبلة من خدّ سعاد زوجته في حملها الأول و الأولاد يتعاقبون على بيت الحب كأكمام الأزهار يتفتح الواحد بعد الآخر. الأسرة ما زالت تملأ فضاءات المكان الذي وقع في أحضان حديقة ظلت سعاد تضخ فيها الحيوية إلى أن اختارها ملاك الموت ليختطفها تاركاً وراءه آثارها الباقية عاجزاً عن حمل الذكريات معه. كثيرة تلك السنين كأحجار صقلها الحب فانتشرت في أرض العمر الجميل كتماثيل تهزأ بالزمن.

السيرة الحلبية.pdf

تفاصيل كتاب السيرة الحلبية.pdf

التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 1
مرات الارسال: 30

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً: